في نص انجيل لوقا 9: 1-6، يرسل يسوع رسله إلى رحلة، رحلة التبشير بملكوت السماوات… ولتكون الرحلة مثمرة وممتعة، يوصيهم مجموعة توصيات لهذه الرحلة التي سيقومون بها، هذه التوصيات تجعلهم يعكسون بالفعل صورة من يتبعون، صورة من يؤمنون به… هذه هي البطاقة التعريفية التي إذا عشناها وأخذناها كمبدأ لحياتنا، سيتعرف الناس بالفعل على يسوع الحقيقي… لأن الرسل عليهم أن يعرفوا الناس بيسوع ويبشروا الناس بيسوع… وهويّة يسوع هي هذه: البساطة، الفقر، التواضع، وعدم تعقيد الحياة، عدم التعلق بأي شيء..
لا تحملوا للطريق شيئاً لا خبزاً ولا طعاماً ولا نقوداً في زنارهم، ولا يلبسوا قميصين… لاءات عديدة.. كيف للرسول إذاً أن يعيش، كيف للرسول أن يمارس حياته بصورة طبيعية، ما المشكلة؟ في الحقيقة هذه اللاءات ليس لمنع الرسول من أن يعيش حياة طبيعية… الرسول هنا مدعو لأن يكون مهموم، ولكن ليس مهموماً بهم العالم، كيف سيمشي أن لم يكن له ما ينتعله، كيف سيعيش ان لم يكن هناك ما يأكل، كيف سيشتري الطعام والمؤونة ان لم يكن هناك ما يقتنيه من مال؟.. نعم، على الرسول أن لا يكون مهموماً بهذه الهموم.. الرسول مدعو لان يكون مهموماً بهم واحد فقط، كيف سيوصل كلمة الله للناس، كيف سيوصل يسوع للناس، كيف سيعلن الملكوت للناس… هذه هي الهموم الحقيقية التي على الرسول أن يهتم بتطويرها وتنفيذها من دون التفكير بالامور الأخرى…
بمعنى آخر، أن على الرسول أن يكون سريعاً إلى:
سريعاً للتبشير والكلام عن يسوع، من مكان إلى آخر… المشكلة لو ان لديه حقيبة على ظهره، وأن يكون هناك نعلين في رجله، وطعاماً بين يديه.. فإن سيهتم كيف يحافظ عليها وبالتالي يصبح بطيء الحركة، ويهتم بها اكثر من يسوع، وبالتالي قليل الحركة، قليل الاهتمام بيسوع، بالتالي تلكوء في البشارة… هكذا نحن اليوم كرسل، مهمومين باحمال العالم، نهتم بامور العالم أكثر مما نهتم بيسوع، وبالتالي نرجع للوراء، نتكلم قليلاً عن يسوع، اذا تكلمنا عنه اصلاً… عادة في داخل بيوتنا، لا نتكلم ابدا عن يسوع بقدر كلامنا عن ماذا نلبس وماذا ناكل وأين نذهب، ويسوع يأتي في الأخير…
سريعا لقول حقيقة يسوع.. والمهموم بهموم العالم، والمهموم بمصلحته الشخصية، سوف يساوم على الحقيقة، سوف يساوم على يسوع وسوف يساوم على حقيقة يسوع…
اليوم إخوتي اخواتي (النعلين، الطعام، الخبز، النحاس) كل هذه رموز لامور أخرى يحذرنا منها يسوع ، ويدعونا لعدم التعلق بها لكي تنعلن دائما حقيقة يسوع… اليوم الكثيرين من رسل يسوع بطيئين عن قول حقيقة يسوع للناس لأنهم مهمومون بمصلحتهم الشخصية، مهمومون كيف يرضون هذا وذاك اكثر من ترضيتهم ليسوع…
لا تتعلقوا باي شيء آخر غير يسوع… فأعلان حقيقة يسوع هي همنا الوحيد والحقيقي.. لا امر آخر غير يسوع، والباقي يأتي تباعاً… ويسوع يقول للرسل، لا تخافوا، فالعامل يستحق أجرته، العامل ياكل من ثمار بشارته، أينما يذهبون، يقيمون في تلك المدينة ياكلون ويشربون من بيوت أهلها الى ان يتركوها… الأجرة ستاتي من عمل البشارة… لان الرب يهتم كيف يهيء مائدة للاعتناء برسله…
يسوع يريد منّا البساطة دائماً، توصياته بسيطة جدّاً.. فرسله عليهم أن لا يهتموا بمؤونة الطريق، فعليهم أن يثقوا بالله كليّاً…. ربّنا يدعونا إلى عدم التّعلق بالأشياء، على أتباع يسوع، ان يتجنّبوا الطّمع، ان يبتعدوا عن الفساد في التعامل مع الآخرين، يدعوهم إلى عدم انتهاك كرامة الناس واستغلالهم ليكون لنا المزيد وعلى حسابهم… على رسول يسوع ان يتعلّم العطاء المتواصل، حتى عطاء الذات، وهذه هي قمّة المقاسمة، لان الإنسان ليس بما يملك، بل بما هو يعطي حتى يصل إلى عطاء الذات… هذه حقيقة يصعب علينا فهمها في عالم يتراكض كلّه وراء السلطة والمال والبغض…
Zenit