طريقتان للنظر إلى الأمور :
إنْ قدّمت زهرة لعالم ٍ في النباتْ ، يكونُ ردّ فعله ردّ فعل عالم ٍ أختصاصيّ ، فيسأل : ” ما هذا ” ؟ ، وهو يحلّل الزهرة ويصنّفها ، وإن كان يجهلها ،فلن يألو جهدًا حتى يهتدي إلى أصلها . وإنْ قدّم شابّ زهرة لخطيبته ، فإنّها ترى فيها ” رسالة ” ، لإنّ هذه الزهرة تعبّر لها عن شيء ما ، فلا يكون سؤالها : “ما هذا ؟ ” ، بل ” ما يعني هذا ” ؟ . هكذا يُنظر إلى الزهرة نفسها من زاويتين متباينتين في المعنى ، مع أنّ هاتين النظرتين لا تتعارضان في الجوهر – فبين علماء النبات عشّاق أيضا – وإن أختلفتا في المدلول كلّ الإختلاف ظاهريّا . أمام ثوران بركان ٍ ، يقوم الأختصاصيّ ببحث ٍ علميّ ، محاولا أن يحدّد أسبابه ويعرف معدّل تكراره وقوانينه .. في حين أنّ رجلا متديّنا من المعتقدين بإن لكلّ شيء روحًا يأتي بتفسير لاهوتيّ ، فيقول على سبيل المثال : إنّ آلهة َ الجحيم في حالة غضب ، يقذفونَ بالنار من أعلى الجبل ..” فالواحد ينظرُ من مستوى الحدث نفسه فيسأل: ” ما هذا ؟ ” ، والآخر يعبّر عنت المعنى الذي يراهُ فيسأل : ” ما معنى هذا “؟.
إنّ الكتاب المقدّس ، لا بل بعض النصوص اليونانيّة أو اليهوديّة ، تروي لنا معجزات . فهل نستطيعُ ، من خلال هذه الروايات ، أن نعرف حقيقة ما جرى ؟ . نعترف بإنّ ذلك أمرٌ شاق ، كثيرًا ما يكونُ غير ممكن ٍ ، وهو في آخر الأمر بلا فائدة تُذكر .
ليست هذه الروايات ” محاضر شرطة ” ، بل شهادات المؤمنين . كان أهل تلكَ العصور يعيشونَ في عالم ٍ متدّين يرون فيه ظهور الله أو الآلهة أمرًا طبيعيّا ، فلا يبالونَ بالحادثة التاريخيّة ولا يتساءلون : ” ما هذا ؟ ” ، إذ كانوا يسلّمون بها عفويّا ، بل يهتمّون بمعناها متسائلين : ” ما معنى هذا ؟ ” من قِبَل مَنْ أو من قِبل ما يكلّمنا هذا ؟ . فحين نبحثُ في تلك الروايات القديمة ، ليسَ علينا أوّلا أن نستفهمَ (كيفَ وأين ومتى وقعتْ هذه الحادثة ) ، بل بالأحرى ” لماذا رُويَتْ “؟ .
ولكن ، من جهة أخرى ، إذا أتينا بتفسير بشريّ أو لاهوتيّ في حادثة ٍ معيّنة ، فلا يعني ذلك أنها لم تقع ! ، إن قالَ أحدُ المعتقدين بإن لكلّ شيء روحًا لنا ، ” إن الآلهة َ يقذفون بالنار من أعلى الجبل ” ، وكان هذا الإنسان سليم العقل ِ ، أستخلصنا أنّ أمرًا خارقا يجري على ذلك الجبل . هل في إمكاننا أن نستوضح الأمر ؟ إن كنّا لا نعرفُ شيئا عن ذلك البلد وعن الظروف التي يعيش أهله فيها ، لا شكّ أننا لا نستطيعُ أن نبتّ ، هل ما جرى هو ثوران بركان أم عاصفة هوجاء ! .. فلا بدّ لنا ، والحالة هذه ، أن نعيدَ وضع الرواية إلى إطارها التاريخيّ الجغرافيّ .
ماذا جرى في البحر الأحمر ، أو في سيناء ، أو في بحيرة طبريّة ، أو في البريّة حيث تكثير الخبز ؟ من المستحيل لنا أن نعرف ، ولا شكّ، بل من العبث أيضا ، أن نحاول معرفة ما جرى . لكن ما نعرفهُ جيّدا ، هو أنّ أمرًا ما قد حدث ! وإنّ الشعبَ أو التلاميذ قد شعروا بإن حادثة خارقة واكتشفوا فيه أن الله يناديهم . فلا يسعنا إلا أن نبتسمَ أمام المحاولات التي يقومُ بها بعضهم لمعرفة ما جرى في معجزات يسوع ، أو للبحث عن ” رواسبها التاريخيّة ” ، وألاّ جعلنا ذلك نحيدُ عن الهدف الجوهريّ . يكفينا أن نعلمَ أنّ التلاميذ ” شعروا ” حيال تلك الأحداث ( أي أحداث كانت ؟ الأمر لا يهمّ ) ، بإنّ الله كان يعملُ عن يد هذا الإنسان ، وأنه يظهر من ما وراء هذا الشخص ويعطي رسالة خلاصيّة تريدُ فقط أن تقول للآخر : أجبْ بالإيمان والمحبّة على هذه الرسالة بالقبول والطاعة ! .
زينيت