كان عشاق الورد وعبيره الذي يتسلل الى القلوب بخفر، على موعد مع تكريم الفنان زكي ناصيف في مهرجانات بيت الدين، في أمسية تكرّمت خلالها حنجرة كل من غنى الانغام والكلام الرقيق لفنان مرهف مبدع حقيقي ولبناني أصيل.
في الامسية الجميلة اضاء قمر مشغرة ليل بيت الدين، وتمتعنا بفرادة زكي ناصيف الكامنة في الابداع، كلاماً ولحناً ومغنىً. واللحن والمغنى حيث الكلام السلس والجميل ومعه الحانه المتدفقة من قلبه، في اغانٍ عكست صفاء روحه وحبه للحياة. معه ترقص الكلمات قبل ان تأتيها الحانها، فهو عاشق للفن الأصيل وللبنانه الذي رآه نقياً على صورته. فضّل الاعمال الجيدة على الشهرة وثابر في الفن الاصيل نابشاً في فولكلورنا الغني المنوع وثقافتنا الشعبية.
البرنامج الذي “قدمه” في بيت الدين غي مانوكيان، إشرافاً وتوزيعا وعزفاً على البيانو، بعيداً من تواضع زكي ناصيف، عكس تنوع الألوان البلدية، من فولكلورية ورومنسية وبدوية ووطنية في اعماله.
الأوركسترا بقيادة ايلي العليا ضمت نحو ٤٠ موسيقياً وكورساً من 20 شاب وصبية، كيف لا وزكي ناصيف هو أول من جعل لغناء الكورس دورا فنياً، وسُمَيَّة بعلبكي وزياد احمدية ورنين شعار وجوزف عطيه بأصواتهم الرخيمة والجميلة تألقوا يؤدون مجموعة من أغانيه.
بدأ الحفل بعرض وثائقي اعده “برنامج زكي ناصيف للموسيقى” في الجامعة الاميركية في بيروت، وفيه شرح لطريقة ارشفة تراثه وإرثه الفني وتأسيس البرنامج في الجامعة منذ عام 2004 بادارة الدكتور نبيل ناصيف، لأن الفنان ناصيف درس الموسيقى في الجامعة الأميركية بين العامين 1936 و1940، في المعهد الموسيقي الذي اغلق ابوابه عام 1949. وهدف الى ثلاثة أمور، اولها الحفاظ على تراثه الموسيقي الذي اصبح بالكامل في المكتبة كهبة من عائلته، ويتضمن نحو الف ومئة مقطوعة، هو الذي ترك إرثاً من الأعمال الفنية اثرت على الموسيقى الشعبية التي صانها ونفح فيها روحاً جديدة. وثانياً اقامة حفلات موسيقية وحلقات نقاش فنية أو المشاركة فيها، وهي لإبراز تراث النهضة الموسيقية في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، أي مهرجانات بعلبك الدولية، وهو كان احد مؤسسيها مع “عصبة الخمسة” الأخوين رحباني وفيلمون وهبة وحليم الرومي وتوفيق الباشا واطلق معهم الليالي اللبنانية الأولى في المهرجان “عرس في الضيعة” عام 1957، وفرقة “الأنوار” التي انضم اليها ملحناً وعازفا ومغنياً عام 1960، وهذا ما حصل في مهرجانات بيت الدين. وثالثاً، اعادة إحياء الدراسات الموسيقية في الجامعة الأميركية لإعطاء الماجستير والبكالوريوس.
في بيت الدين استمتعنا بنحو 20 اغنية توزعت بين الموسيقى الشعبية والفولكلور الشعبي مثل “طلوا احبابنا” التي بها استقبل الكورس الحضور، و”رمشة عينك” و”اشتقنا عا لبنان” “ليلتنا من ليالي العمر”، و”اشتقنا كتير يا حبايب” سمعناها أولاً بصوت زكي ناصيف العذب والساحر وتسجيلات من المؤسسة اللبنانية للارسال، وأكملها جوزف عطية بصوته الذي أظهر بعداً جمالياً مختلفاً حين غنى زكي ناصيف، و”حبايبنا حوالينا” بدأها زكي ناصيف بالإسبانية واكملتها رنين الشعار بصوتها الجميل وحضورها المحبب. قدم الفنانون الأربعة العديد من اغاني ناصيف من كلماته والحانه، والتي غناها كبار الفنانين مثل فيروز وصباح ووديع الصافي وسميرة توفيق وماجدة الرومي وغسان صليبا وغيرهم. ومن اللون البدوي “يا جار الرضا” و”ندّي النسايم” و” اهلا بهالطلي اهلا” و”هلّي يا سنابل” بدأها هو واكملها زياد الاحمدية برقة صوته وعذوبة أدائه، عازفاً أحياناً على عوده مرافقاً لبعض الأغاني. واللون الرومنسي “يا عاشقة الورد”، “نقيلي أحلى زهرة” “اهواك بلا امل” “تسألني الحسناء” وهي اغنية غير معروفة ادتها سمية بعلبكي بصوتها الرائع وأناقة مغناها و”دقة ودقة مشينا” بدأها على الشاشة لتكملها سمية البعلبكي.
اللون الوطني كبر كورسه ليطال الحاضرين “مهما يتجرح بلدنا”، والختام كان مع “راجع يتعمر لبنان” الأغنية النشيد التي تركها زكي ناصيف تعبر عن إرادة شعب يريد العيش والانتصار على الدمار.
النهار