ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداسا في بكركي لمناسبة تخريج طلاب دورة التنشئة الروحية والانسانية لمسؤولي شبيبة الأبرشيات والحركات الرسولية، وعاونه كل من المطرانين بولس عبد الساتر وحنا علوان وعدد من الآباء، في حضور النائبين شوقي الدكاش وروجيه عازار، الوزيرة السابقة أليس شبطيني، ممثل قائد الجيش العماد جوزف عون العميد بيار صعب، ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان العميد مروان سليلاتي، ممثل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم العميد جوزف طوميه، جمعية “EDY” للتوعية من مخاطر حوادث السير وجماعة آتية من بولونيا من أجل تأسيس “عائلة مار شربل” في وطن القديس البابا يوحنا بولس الثاني.
العظة
وألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان “من أنا أرسلكم كالخراف بين الذئاب”، وقال: “الكنيسة، برعاتها وشعبها ومؤسساتها، في حالة إرسال دائم. رسالتها المؤتمنة عليها هي رسالة المسيح الفادي إياها، فإن مهمتها الأساسية هي أن توجه عقل الإنسان وتهدي البشر أجمعين نحو سر المسيح، يختم الإنجيليون كلهم رواية الإرسال للبشارة في آخر لقاء للرسل بالمسيح القائم من موت، إذ أرسلهم قائلا: “إذهبوا وتلمذوا كل الأمم، وأنا دائما معكم حتى انقضاء العالم” (متى 28: 18). إنه إرسال صعب لأنه سيصادف الرفض والاعتداء والتحقير وحتى الاستشهاد، من أجل أكتمال عمل الخلاص والفداء بالمسيح. وقد عبر الرب يسوع عن هذا الواقع المصيري بقوله: “ها أنا أرسلكم كالخراف بين الذئاب” (متى 10: 16). وفي الوقت عينه أعطى ضمانتين: نجاح الرسالة بتأييده لعمل المرسلين، وإلهامات الروح القدس للمرسلين من أجل حسن الكلام والتصرف. وأوصى بفضائل ثلاث: الحكمة والوداعة والصبر”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الالهية، بمناسبة تخريج طلاب دورة التنشئة الروحية والإنسانية لمسؤولي شبيبة الأبرشيات والحركات الرسولية. وهي دورة ينظمها، للسنة الخامسة، مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطركية. وقد اختاروا لدورتهم شعار: “دورة الرسول المسؤول”. فتأتي التسمية ملائمة لموضوع إنجيل هذا الأحد، وهو الرسالة والإرسال. إني أحيي شاكرا منسق هذا المكتب المونسنيور توفيق بوهدير، ومعاونيه. كما أحيي وأشكر كل الذين ألقوا مواضيع هذه التنشئة من السادة المطارنة، والآباء، والراهبات، والأساتذة والجماعات.
إن نشاط “مكتب راعوية الشبيبة” يندرج هذه السنة في تحضير شبيبتنا اللبنانية لمواكبة أعمال سينودس الأساقفة الخاص بالشبيبة، الذي سيعقد في حاضرة الفاتيكان من 3 إلى 28 تشرين الأول المقبل، وموضوعه: “الشبيبة والإيمان وتمييز الدعوات”. وفي هذا السياق ينظم المكتب، في شهر آب المقبل، دورة تحضيرية لمواكبة السينودس، ويشارك فيها شبيبة الأبرشيات”.
وتابع: “تشارك معنا في هذا القداس الإلهي جمعية EDY للتوعية من مخاطر حوادث السير، وهي تؤمن نشر ثقافة التوعية والتعليم لسائقي الدراجات النارية وغيرها، وتعزز سلامتهم، وتعمل على الحد من حوادث السير والخسائر البشرية، ويتضمن برنامج التوعية ندوات في المدارس والجامعات، وتعليم تقنيات القيادة، وحملات إعلامية، ودورات تدريبية، وسواها من وسائل التوعية.
إننا نذكر في هذه الذبيحة المقدسة ضحايا السير، راجين لهم الراحة الأبدية في السماء، ولأهلهم وعائلاتهم العزاء الإلهي، ونصلي من أجل حماية شبابنا من مثل هذه الحوادث. ونحيي بالشكر القيمين على الجمعية ونشاطات التوعية، وكل الشخصيات الرسمية وممثلي الإدارات والأجهزة والبلديات الحاضرين معنا والداعمين لنشاط جمعية EDY للتوعية. في ضوء موضوع هذا الأحد عن الإرسال والرسالة، أنتم أيضا تقومون برسالة اجتماعية رفيعة، تحمي أجيالنا الطالعة وشبيبتنا، وتثقفها على قيمة الحياة وقدسيتها ودورها في بناء التاريخ البشري والتاريخ الخلاصي. نرحب بالجماعة الآتية من بولونيا، وهي تسعى إلى تأسيس “عائلة مار شربل” في وطن القديس البابا يوحنا بولس الثاني”.
وشدد على “ان الرسالة في الكنيسة والبيت والمجتمع والدولة تقتضي الفضائل الثلاث: الحكمة والوداعة والصبر، التي يدعونا الرب يسوع للتحلي بها:
“كونوا حكماء كالحيات” (لو 10: 16). يدعونا لاستعمال العقل والتفكير. فالحكمة هي أولى مواهب الروح القدس، لأنها توجه العقل نحو الحقيقة، والإرادة نحو الخير، والقلب نحو المحبة. وتبلغ ذروتها في العيش بمخافة الله أي بمرضائه في كل شيء.
“وكونوا ودعاء كالحمام” (لو 10: 16). يدعونا لنكون مسالمين ومحبي السلام بتواضع ووداعة، بعيدا عن الكبرياء والادعاء والأذية وروح الشر والثأر والانتقام. وقد دعانا إلى مدرسته لنتعلم هذه الفضيلة بقوله: “تعالوا إلي، وتعلموا مني، إني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم” (متى 11: 29).
“من يصبر إلى المنتهى يخلص” (متى 10: 22). يدعونا إلى الصبر على الشدة لأننا بهذه الفضيلة ننتصر على الصعاب والمحن. ونبلغ إلى الهدف الأخير والغاية المنشودة من الرسالة الموكولة إلينا”.
وأشار الراعي الى ان “كل رسالة تهدف إلى الخلاص، فرسالة الوالدين تهدف إلى خلاص أولادهم الحياتي والثقافي والمصيري، عبر تربيتهم والسهر عليهم ومواكبتهم في تطلعاتهم، ورسالة رعاة الكنيسة تهدف إلى خلاص أبنائها وبناتها الروحي، والخلاص الأبدي لكل إنسان، بواسطة خدمتهم المثلثة: الكرازة بكلام الله والتعليم، وتقديس النفوس بتوزيع نعمة الأسرار، وبناء الجماعة المؤمنة على أساس الوحدة في الحقيقة والمحبة. ورسالة السلطة السياسية تسعى إلى تأمين خلاص المواطنين الاقتصادي والمعيشي والثقافي والصحي والاجتماعي. ليست السلطة والمشاركة فيها، تشريعا وإجراء وإدارة وقضاء، غاية بحد ذاتها، بل هو وسيلة لتأمين هذا الخلاص المتنوع. وليست السلطة والمشاركة فيها للمكاسب الشخصية، بل لتأمين الخير العام بكل تفان وتجرد ووعي ومعرفة ومهارة وكفاءة”.
أضاف: “إننا في كل يوم، ننتظر ولادة الحكومة الجديدة، وهي مع الأسف مازالت تتعثر. إن الشعب لا يريدها مؤلفة من أشخاص عاديين، لتعبئة الحصص، وتقاسم المصالح، وإرضاء الزعامات، بل يريدها الشعب والدول الصديقة الداعمة للبنان والمشاركة في مؤتمرات روما وباريس CEDRE وبروكسيل، حكومة مؤلفة من وزراء يتحلون بالكفاءة التكنوقراطية والمعرفة وروح الرسالة والتجرد والأخلاقية والتفاني. وإذا كان لا بد من تمثيل للأحزاب والأحجام، فليكن على هذا المقياس. ويجب عدم إهمال الأكثرية الباقية من خارج الأحزاب والأحجام النيابية، وفي صفوفها شخصيات وطنية رفيعة، يجب أن تكون جزءا أساسيا في الحكومة العتيدة. وإذا كان لا بد من ألوان سياسية، فاللون المفضل هو لون الوطن، دولة وشعبا ومؤسسات”.
وأردف: “تحديات كبيرة تنتظر الحكومة الكفوءة المنتظرة وهي على التوالي:
– إجراء الإصلاحات في الهيكليات والقطاعات التي فصلها بالتحديد البيان الختامي لمؤتمر باريس CEDRE الذي انعقد في 6 نيسان الماضي، بغية النهوض الاقتصادي بكل قطاعاته. وعلى هذا الأساس، يبدأ صرف الأحد عشر مليار ونصف دولار أميركي، من المساعدات المالية بين قروض ميسرة وهبات، ضمن آلية محكمة للمتابعة تشارك فيها الدول.
– الوضع التجاري الذي ينذر بإقفال ما بين 20 و25 % من المؤسسات التجارية بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة، كما نبهت جمعية تجار بيروت منذ ثلاثة أيام. وبينت كل الأسباب ورسمت خريطة النهوض.
– أزمة التعليم الخاص من جراء القانون 46/ 2017، الذي أوجد أهالي التلامذة في اللاقدرة على تحمل أية زيادة في الأقساط المدرسية، وعددا من المعلمين والمعلمات والموظفين في حالة الصرف من المدارس الخاصة بسبب تناقص عدد طلابها، وإقفال البعض منها تدريجيا. فتكون البلاد أمام أزمة تربوية واجتماعية كبيرة، إذا لم تتحمل الدولة جزءا من رواتب المعلمين بحكم تلازم التشريع والتمويل، ولكون المدرسة الخاصة ذات منفعة عامة كالمدرسة الرسمية.
– قضية النازحين السوريين التي تقتضي سياسة عامة موحدة في المبادئ والإجراءات والتدابير مع الدول المعنية من أجل عودتهم إلى وطنهم واستعادة كرامتهم وجميع حقوقهم المدنية فيه. فيجب إخراج هذه الأزمة، التي باتت تشكل أزمة لبنانية على كل صعيد، من أي معطى سياسي أو مذهبي، وحصرها في جوهرها، وهو المعطى الوطني اللبناني.
– الأزمة السكنية التي تفاقمت من جراء توقف قروض الإسكان من جهة، وغلاء أسعار الشقق السكنية من جهة أخرى، وغياب أي خطة إسكانية من قبل الدولة. فإنا نبارك تحرك “جمعية دعم الشباب اللبناني” ونؤكد مطالبها التي عبرت عنها أمس في اعتصامها في ساحة رياض الصلح ببيروت، وقد تضامن معها عدد من النواب، وفي رسالة رسمية موجهة إلى نواب الأمة. ونحمل النائبين الحاضرين معنا كل هذه القضايا، وانتما نائبان ممتلئان من الاستعداد الكامل للنهوض بلبنان واسماع صوت الشعب في الندوة البرلمانية. فليبارك الله عملكما وعمل كل زملائكم”.
وختم الراعي: “في هذا اليوم الذي نحيي فيه تذكار مولد يوحنا المعمدان، واسمه يعني “الله رحوم”، نسأل الله بشفاعته أن يملأ قلوب الجميع بالرحمة، فتستعيد المشاعر الإنسانية وتبني مجتمعا تسوده الأخلاقية وروح التعاطف والتضامن. فالرحمة فضيلة تعيد للانسان إنسانيته. ومعا نرفع نشيد المجد والتسبيح لله “الغني بالرحمة”، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين، لمجد الثالوث القدوس، الإله الواحد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وبعد القداس، سلم الراعي والمنسونيور ابو هدير طلاب دورة التنشئة شهاداتهم.
وطنية