ليس مستغرباً علاقة اللبنانيين بأم الله، فهي التي أعطتهم يسوع وهم يكرمونها ليل نهار.
قصتان رائعتان عن تشييد مزار سيدة لبنان، تدخل إلهي جعل هذا المزار أحد أهم المزارات المريمية في العالم.
سيدة حريصا كنيسة قديمة تحمي قرية تنورين من فوق، هي نفسها سيدة حريصا في درعون. وفي تنورين اكثر من 70 كنيسة و تتبع كنيسة سيدة حريصا لكنيسة سيدة الانتقال في تنورين الفوقا وقد بنيت منذ مئات السنين.
وينقل عن المونسنيور الراحل يوسف مرعب حرب الذي خدم رعية تنورين الفوقا طيلة سنوات، والذي ترأس بلدية تنورين فترة طويلة من الزمن، انه و”اثر معركة مع سكان الجوار نزح اهالي حريصا ومحيطها مع صورة العذراء في هذه الكنيسة وذهبوا بها الى كسروان الآمنة وحلوا في درعون”. ويقول المونسنيور حرب في هذا الاطار ان “اهالي حريصا اطلقوا على المنطقة التي نزحوا اليها في كسروان اسم حريصا وسموا كنيستها سيدة حريصا التي عرفت لاحقا “بسيدة لبنان”.
ويلفت داغر الى ان الكثير من عائلات درعون اصله من تنورين، والى ان التمثال الخشبي في حريصا شبيه جدا بتمثال سيدة حريصا في تنورين مما يزيد من صحة الكلام عن ان سيدة لبنان قد نقلت اساسا من اعالي تنورين.
ويشير الراهب اللبناني جورج الصغبيني أنّ فكرة تأسيس مزار للعذراء مريم في لبنان يعود الى عام 1904 عندما احتفلت الكنيسة الجامعة باليوبيل الخمسيني لإعلان البابا بيوس التاسع عقيدة الحبل بلا دنس (8 كانون الأول 1854). حيث فكر البطريرك الماروني مار الياس الحويك والقاصد الرسولي في لبنان وسوريا المطران كارلوس دوفال بانشاء أثر دينيٍ يخلّد ذكرى عقيدة الحبل بلا دنس، ومحبة شعب لبنان لـمريم على مر الأجيال.
وأطلقا لقب “سيدة لبنان على تلة حريصا التي كان فيها معبد على إسم سيدة حريصا، قد بناه بعض النازحين من منطقة تنورين تيمنا بسيدة حريصا التي كانوا يُكرّمونها في جرود تنورين، أقامه أجدادهم بين الجنائن ليحتفل المزارعون يوم الأحد بالقداس فيه في مواسم الصيف.
أما تمثال العذراء فهو من صنع فرنسا، من البرونز المسكوب طوله ثمانية أمتار ونصف، ويزن خمسة عشر طنًا. وهو فريد في جماله. وقاعدة التمثال مبنية من الحجر الطبيعي. علوها عشرون مترا، محيطها الأسفل أربعة وستون مترا، والأعلى إثنا عشر مترا. أما الصعود إلى قمتها، فيتم على درج لولبي من مائة وأربع درجات.
وقد تمّ إنجاز المعبد الصغير مع التمثال في أواخر عام 1907، على يد إبراهيم مخلوف من عين الريحانة، تحت إشراف رئيس عام جمعية المرسلين اللبنانيين الأب شكرالله خوري (مطران صور فيما بعد).
ومع إطلالة الأحد الأول مـن ايّار سنة 1908 بدأت الوفود تتقاطر بأعلامها وأخوياتها من كل أنحاء لبنان. وبدأ الإحتفال بمباركة القاصد الرسولـي فريديانو جيانيني لبناء المعبد والتمثال. ثم احتفل غبطة البطريرك بالقداس الحبّري يعاونه الأساقفة والكهنة، وناب عن متصرف جبل لبنان بربر الخازن أمير الجند اللبناني. واختتم الاحتفال بزياح أيقونة سيّدة لبنان فـي ساحة المعبد. وأعلن غبطته الأحد الأول من أيار عيداً سنويا لسيدة لبنان.
وأسندت خدمة معبد سيّدة لبنان وإدارته إلـى جمعيّة الـمرسلين اللبنانيين وتمّ التسليم الرسمي في دار القصـادة الرسولية فـي حريصـا, فـي الثالث من أيار سنة 1908. وذلك بشخص الرئيس العام أنذاك الاب يوسف مـبارك ومنذ أن تسلّـمت جـمعيّة الـمرسلين اللبنانيين الـموارنة إدارة الـمعبد، قامت فعلاً بإنشاءات عديدة بعد شراء عقارات قريبة اليه وأوصلته إلـى حالته الحاضـرة كمزار لبنانـي وعالـمي.
50 ليرة عثمانية
قرّر البطريرك الماروني إنشاء مزار ديني و بدأت لجان لجمع المال فظهرت محبّة اللبنانيين وتبرّعاتهم السخية فقبل مالك الأرض فرنسيس يعقوب يونس بيعها للبطريرك الماروني ب 50 ليرة عثمانية.
سنة 1906 صمّم البطريرك الحويك والقاصد الرسولي الجديد Mgr Giannini معاودة العمل مع تعديل بالمشروع ولإتمام العمل بحسب الأحوال أبرم البطريرك صك مقاولة مع معلّم قدير يُدعى ابراهيم مخلوف من عين الريحانة ، تمّ بناء المعبد وقاعدة التمثال سنة 1907 بإدارة الأب شكرالله الخوري ، وخلفه الأب يوسف مبارك، و استطاع البطريرك تجاوز الأزمة المالية ووجّه رسالة إلى الأوقاف المالية والجمعيات الخيريّة ودفع ما يُفرض عليهم من مبالغ مبنيّة على لائحة وضعها بنفسه.
تكلفة بناء المعبد وتشييد التمثال كلفت 50،000 فرنك جُمعت من تبرّعات عدّة، ومن هبة سيدة فرنسية التي تبرّعت ب 16،000 فرنك طالبة أن يبقى إسمها غير معلن.
لنصب تمثال بهذا الحجم والنوع لا بدّ من الحصول مرسوم سلطاني يتضمّن موافقة السلطات العثمانية.
أرسل متصرّف لبنان مُغفّر باشا برقية يطلب فيها موافقة اسطنبول على نصب التمثال فكان الذهول بل المعجزة حين وصل ردّ الموافقة بعد 5 ساعات فقط.
في أوائل 1908 أنجز المعبد وقاعدة التمثال تحت إشراف الأب شكرالله الخوري وبعد فترة قصيرة نُصب تمثال العذراء فكان التدشين في 3 أيار 1908 عند العاشرة صباحاً.
أقام المونسينيورGiannini حفل التدشين بعد حفل التدشين احتفل البطريرك الحويك بذبيحة القداس يُعاونه جمع من الأساقفة ورؤساء عامون وممثلو جميع الرهبانيات الشرقية والغربية وكهنة عديدون وأعلن الأحد الأول من شهر أيار عيداً سنوياً لسيدة لبنان.
سنة 1904 أوكل المزار إلى جمعية المرسلين الموارنة، بإتفاقية خطّية للإنشاء.
قامت جمعية المرسلين الموارنة بشراء العقارات وقامت من خلالها بخدمة المصلين والزائرين حتى أوصلت المزار على ما هو عليه اليوم.
ويبقى مزار سيدة لبنان واحة راحة وسلام.
اليتيا