احتفلت ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك بتدشين المركز الصيفي للمطرانية في بلدة عيتنيت – البقاع الغربي، وذلك في حفل ضخم اقيم في باحة المطرانية بحضور راعي الأبرشية سيادة المطران عصام يوحنا درويش، دولة الرئيس ايلي الفرزلي، النائب السابق فيصل الداوود، الوزير السابق سليمان طرابلسي، رئيس جهاز امن الدولة في البقاع العميد فادي حداد، إمام بلدة مشغرة الشيخ عباس ذيبة، القاضي نقولا منصور، قنصل البرازيل الفخري في لبنان السيدة سهام الحاراتي، رئيس بلدية عيتنيت أسعد نجم، الصحافي نصري الصايغ، رؤوساء بلديات القرى المجاورة والمخاتير، الأندية والجمعيات، الكهنة والراهبات وجمهور غفير من ابناء قرى البقاع الغربي والمدعوين.
البداية مع النشيد الوطني اللبناني ومن ثم كلمة رئيس بلدية عيتنيت أسعد نجم رحب فيها بالحضور وقال :” 31آب 2014 هذا التاريخ هو علامة من علامات الزمن ، هو تاريخ سيؤرخ له في عيتنيت وفي منطقتنا العزيزة .
منذ أكثر من ستين سنة أنشأ على هذا العقار المغترب نجيب مراد ، الذي إنقرضت عائلته في عيتنيت اليوم، مدرسة وأوقفها لمصلحة وقف طائفة الروم الكاثوليك في عيتنيت ، مشيّداً قربها مدفناً أثرياً إكراماً لوالديه .
مع بداية السبعينات من القرن الماضي حوّلت هذه المدرسة إلى مقر للمخيمات الصيفية بمبادرة من إبن منطقتنا الدكتور نبيه غانم ، قبل أن تعصف الأحداث الأليمة بالبلاد ويتوقف أي نشاط تربوي أو ترفيهي في هذا المكان .
ولطالما إستوقفتني مدلولات قرار سيادة راعي الأبرشية المطران عصام يوحنا درويش السامي الإحترام بتحويل هذه الدار إلى مقر صيفي لمطرانية زحلة والبقاع لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك وذلك منذ الأيام الأولى لتوليته على كرسي زحلة والبقاع :
-فعيتنيت هي نموذج مؤلم لجرح الهجرة النازف من الحرمان والإهمال ، حتى غدا مغتربو هذه البلدة يشكلون أكثر من تسعة أضعاف سكانها المقيمين في لبنان .
وإنشاء هذه الدار هو علامة رجاء وأمل لأبناء هذه البلدة ودعوة للتجذر في هذه الأرض .
-وهذا الموقع بالذات هو مشرف على حضور الطائفة الشيعية الكريمة جنوباً والتي يتشارك أبناؤها مع أبناء عيتنيت في الأفراح وفي الأحزان ،
وهو أيضاً محاذٍ تماماً لحضور الطائفة السنية الكريمة شرقاً حيث تتقاسم بلدة عيتنيت مع بلدة القرعون مياه البحيرة والسد المنشأ ضمن النطاق العقاري لكل من البلدتين ، ولم تحل البيحرة دون إستمرار روابط الإلفة والمحبة التي تجمع أهالي البلدتين منذ القدم .
-وبلدة عيتنيت تسند ظهرها إلى جبل نيحا – جبل التعايش الدرزي المسيحي ،
-وتشكل ، مع مشغرة ، بداية ما تبقى من حضور مسيحي في الشريط الغربي” .
واضاف ” عيتنيت هي إذن نقطة إلتقاء للعيش المشترك .
فليكن هذا المقر ، يا صاحب السيادة ، ملتقى للعيش المشترك على صورة جغرافية هذا الموقع ورمزيته .
إنني أؤمن ، يا صاحب السيادة ، بأن قرار تحويل هذه الدار إلى مقرٍ صيفي لكرسي زحلة والبقاع، هو ، كما تعلّمونه للمؤمنين ، من أعمال الروح القدس .
إن الرسالة من وراء تحويل هذا المعلم إلى مقر صيفي لمطرانية زحلة هي واضحة : حضور ، وإنفتاح ، وعيش معاً .
أيها السادة ،
في هذا الزمن الذي تقفل فيه المنطقة العربية على مشهد قاتم من التناحر والتفرقة والتقوقع وغياب التسامح ، فخر لعيتنيت أن يتناوب محمد وعارف وكامل وغيرهم– سنّة وشيعة – مع أخوانهم ، على قرع أجراس كنيسة سيدة الإنتقال في عيتنيت ، في عيد إنتقالها ، وأن يرفع المسلمون في عيتنيت الأعلام المريمية على شرفات منازلهم ، وأن يشارك المسلمون في هذه المنطقة أبناء بلدة عيتنيت في إحتفالات عيد السيدة بصورة عفوية السنة كما في كل سنة .”
وختم نجم بالقول ” صاحب السيادة ،
إنني أغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالتحية إلى زحلة . زحلة بالنسبة لنا هي الوجهة ، وهي الهامة في العمل الرعوي . أما في عيتنيت فالمجال هو للنشاط الرسولي .
وبعد ،
غداً يا سيد ، عندما تقفون في الصباح على شرفة هذه الدار ، من على هذه التلة المشرفة على مشهدية مرسومة بريشة الخالق : بحيرة ومنحدرات وتلالاً وجبال ، وفي الخلفية جبل مقدس يمتد على حدود الأفق ، حرمون ، وقد لفّه الضباب الأبيض، سوف تذكرون ما تقرأونه في كل سنة على مسامع المؤمنين خلال هذا الشهر ، من أن معلماً صعد مع تلاميذٍ له (بطرس ويعقوب ويوحنا أخوه ) منذ حوالي ألفي سنة إلى جبلٍ عالٍ ، هذا الجبل ، وتجلى فأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور ، ولسوف يتراءى لك يا سيد، من خلال هذا الضباب الشديد البياض ، الغمامة النيّرة التي ظللت المعلم وتلاميذه والصوت الذي خرج منها يقول ” هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت فله إسمعوا ” ( متى 17 : 1-5 ).
ولقد سمعتم يا سيد نداء الرب ، فلبيتم النداء !!”
المطران درويش القى كلمة شرح فيها اهمية وجود مركز للمطرانية في البقاع الغربي ومما قال :” أشكركم جزيل الشكر على تلبيتكم دعوتنا لتدشين مقر المطرانية الصيفي الجديد، وأعرب عن امتناني لكل واحد منكم، رجال دين ودنيا، أصحاب السيادة والفضيلة، وزراء ونواب حاليين وسابقين، رؤساء بلديات ومخاتير وقضاة وأمنيين ورجال أعمال وسيدات وسادة وأصدقاء من كل القرى البقاعية. واحيي بنوع خاص رئيس بلدية عيتنيت السيد أسعد نجم.
أقيم هذا البناء على أرض وقف الروم الكاثوليك في عيتنيت وفي هذه المناسبة أتوجه إلى أبنائنا وبناتنا في هذه البلدة الحبيبة بمحبتي وشكري فهذه المطرانية هي لهم وأنا أعتبر ذاتي ضيفا عندهم.
منذ توليتي مطرانية الفرزل وزحلة والبقاع كانت فكرة بناء مقر للمطرانية في البقاع الغربي تراودني فوجدت هذه القطعة من الأرض وفيها كتلة من الإسمنت لا حياة ولا روح فيها. وقد راقني هذا الموقع الطبيعي المشرف على بحيرة القرعون وعلى سهل البقاع الجميل، وهو ملتقى لجميع الطوائف والأديان. راقت الفكرة لبعض الأصدقاء ومنهم السيد غسان خوري وشجعوني على البناء. لهؤلاء شكري وامتناني.”
وأضاف ” لقد أردنا بهذا المشروع أن نؤكد إيماننا بالعيش الواحد، رغم موجة الإرهاب التي تجتاح بعض بلدان العالم العربي. واردنا أن يكون التدشين اليوم لنؤكد بأن وطننا الجميل هو أنتم، هو كل مكونات مجتمعنا، مسيحيين ومسلمين ودروز.
إن منطقة البقاع الغربي تمتعت دوماً بالعيش الواحد وبالتآخي بين الجميع، لذلك أحببت هذه المنطقة ولذلك أحببتكم فأنتم دعاة سلام وحوار وتواصل.
وهنا لا بد أن أتذكر معكم من نحي ذكرى غيابه اليوم، الإمام موسى الصدر، ، هذا الصوت الصارخ الذي وقف سداً منيعا أمام أصحاب الفتن ليحافظ على وحدة لبنان وعلى العيش المشترك ونذكر كلنا ما قاله في كنيسة الكبوشية في بيروت: “اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان.. والأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد: دعوة إلى الله وخدمة للإنسان، وهما وجهان لحقيقة واحدة”.
وتابع ” ما يحصل اليوم على حدودنا وفي سوريا والعراق من قتل وإرهاب ودمار من قبل جماعات تكفيرية هو اعتداء ليس على المسيحية فحسب ولا على الأقليات بل ايضا على الإسلام وسماحته وهو تسخير للدين وللعزة الإلهية من أجل مصالح دنيوية وشخصية.
لذلك نرى أن أصحاب الغبطة بطاركة الكنائس الشرقية على حق عندما قالوا في بيانهم وبعد زيارتهم التاريخية للعراق: “لكي تتمكن دول الشرق الأوسط من أن تنعم بسلام عادل وشامل ودائم. ينبغي عليها، أن تعمل على فصل الدين عن الدولة وقيام الدولة المدنية”.
وختم درويش كلمته موجهاً الشكر لكل من ساهم وتعب في بناء المطرانية وقال ” في نهاية كلمتي لا بد لي أن أشكر الذين هيأوا هذا الاحتفال، أسرة المطرانية وكهنتها ووكلاء كنيسة عيتنيت وجوقتها ورئيس بلديتها والسيد غسان خوري ورهبان دير عين الجوزة. ولا أنسى أن أشكر المهندس وديع ضاهر الذي أشرف على تنفيذ هذه المطرانية بمجانية كاملة والمهندس حسن يونس الذي تابع يوميا وبتفان أعمال البناء.
أشكر حضوركم المشجع وأتمنى أن يعتبر كل واحد منكم أن يكون هذا الصرح بيتاً له وأن يعتبرني أخاً وخادماً له.
تعالوا نوطد العزم لنكون دعاة حوار وسلام في مجتمعنا، علّنا نحقق ما قاله يسوع المخلص لنا في الإنجيل المقدس: “طوبى لفاعلي السلام فإنهم ابناء الله يدعون”.
ومن بارك المطران درويش المياه وازاح برفقة رئيس بلدية عيتنيت الستارة عن اللوحة التذكارية، وقطع شريط الإفتتاح وجال الحضور في ارجاء المطرانية مبدين اعجابهم بهذا الإنجاز الكبير وتمنوا لسيادته التوفيق في كل المشاريع التي يقوم بها.
سبق حفل التدشين قداس احتفالي في كنيسة القديس جاورجيوس في عيتنيت ترأسه المطران درويش بمشاركة لفيف الكهنة وحضور حشد كبير من المؤمنين.