نادين كنعان / الأخبار
تراجع حجم الإعلانات في الصحافة الورقية بدأ ينذر بأزمة حقيقية في بريطانيا. في صيف 2015، ضربت «عاصفة حقيقية» الجرائد المحلية، مع إنخفاض مستوى الإعلانات إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى نسبة 30 في المئة في بعض الأسابيع خلال الأشهر الستة الماضية.
قلّص معظم المعلنين العشرة الأوائل في لندن من ميزانيّاتهم، على رأسهم «سكاي» التي قطعت 20 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وفق ما نقلت صحيفة الـ «غارديان» البريطانية عن مصادر «غير رسمية». وأضافت أنّ BT تخلّت عن 18 في المئة من ميزانيّاتها في هذا المجال، في مقابل 47 في المئة لـ Asda، و39 في المئة لـ Tesco.
«المسألة تشبه طنجرة الضغط بالنسبة للصحف»، قال مدير التسويق في إحدى شركات الإعلانات الكبرى للـ «غارديان»، موضحاً أنّه «وصلنا إلى نقطة مصيرية، حيث لم يعد شراء الإعلانات المطبوعة مجدياً. المشكلة ليست في المؤسسات الصحافية الورقية، بل لا بد من التركيز على حجم الإنفاق الذي يحقق سرعة الوصول، ونوعيّته، وطبيعة الجمهور».
واستغربت الـ «غارديان» عدم قرع جرس الإنذار في سوق الإعلانات في الصحافة الورقية على امتداد البلاد حتى الآن، لا سيّما أنّ الأمر تمدّد وبات يشكّل خطراً على عائدات الإعلانات الرقمية، التي لطالما كان يُعتمد عليها لاستبدال إنخفاض إيرادات الإعلانات المطبوعة.
يعتبر «مايل أونلاين» من أكبر الأمثلة على هذا الواقع. الموقع الإلكتروني الضخم الذي يزوره ما يزيد عن مليوني مستخدم شهرياً، يفترض أن يكون جذّاباً جداً بالنسبة إلى المعلنين، غير أنّه شهد نموّاً بطيئاً خلال الصيف.
في ظل البحث الجدّي عن الأسباب الكامنة وراء هذه النتائج المخيفة، يوجّه المدير التنفيذي لشركة «غارديان ميديا غروب» دايفد بيمسيل إصبع الإتهام إلى شركتي غوغل وفايسبوك. بيمسيل ليس وحده صاحب هذا الرأي، لا سيّما أنّه يعبّر أيضاً عن رأي شركة Trinity Mirror الناشرة لصحيفة «ديلي ميرور». وهو يسلّط الضوء على أنّ «عمالقة الإنترنت يستحوذون على الإعلانات الرقمية بوتيرة أسرع بكثير ممّا كان متوقعاً».
في غضون ذلك، قدّر بحث أجرته eMarketer أنّ غوغل وفايسبوك ستستأثران في نهاية 2015 بنصف سوق الإعلانات الرقمية، أي ما يزيد عن 15.5 مليار دولار أميركي.
ولأنّها استشعرت خطر موقع فايسبوك وإخوانه، لجأت الكثير من المؤسسات الإعلامية حول العالم إلى التحالف من أجل جذب المزيد من العلامات التجارية، عبر البيع من خلال البرمجة أو الحواسيب.
ويبدو المعنيّون في هذا المجال غير متفائلين في أن يكون ما يحدث شبيهاً بالأزمة التي نشبت عام 2009 قبل أن تنحسر بعد فترة، فهم على يقين بأنّها «جاءت الآن لتبقى». وعلى الرغم من أنّ التأثيرات السلبية لأزمة الإعلانات ليست جلية بعد على الشبكة العنكبوتية، إلا أنّ المخاوف من زيادة سوء الأحوال في تزايد مستمر.
لا شكّ في أنّنا سنبدأ بمشاهدة نتائج أزمة عائدات الإعلانات على المدى المتوسّط، لكن أحد أوجهها بدأ يظهر فعلاً. في تموز (يوليو) الماضي، قالت «هيئة الاذاعة البريطانية» إنّها ستلغي أكثر من ألف وظيفة لأنّها تتوقع خفضاً بقيمة 234 مليون دولار أميركي في رسوم المشاهدة في العام المالي المقبل، بعد عزوف المشاهدين عن أجهزة التلفزيون وتوجههم إلى الإنترنت لمتابعة البرامج.
وقبل فترة وجيزة جداً، أعلن دايفد بيمسيل في مذكرة داخلية نشرها موقع «بوليتيكو» عن نيّة الـ «غارديان» إتخاذ إجراءات «توفيرية حادة في ظل تباطؤ المبيعات الإعلانية الأخيرة». في هذا السياق، رجّحت مصادر من داخل الصحيفة البريطانية العريقة أن تشمل هذه الإجراءات «الإستغناء عن عدد كبير من الموظفين». ولفت بيمسيل في مذكرته إلى أنّه من الضروري التخلّي عن «التوظيفات الجديدة، والرواتب، والسفرات المكلفة…».
وفي النص الذي تلقاه الموظفون، تطرّق المدير التنفيذي لـ «غارديان ميديا غروب» إلى المراجعة الإستراتيجية التي أطلقها بالتعاون مع رئيسة التحرير كاثرين فاينر تحت إسم Project 2021: «سنفعل كل شي لخلق توازن، ما يعني أنّنا سنتمكّن من خلق مسافة مالية كافية للمناورة، وبالتالي المضي في الإستثمار في مجالات للنمو».