أمهات كثيرات يخسرن حياتهن أثناء الحمل والولادة حول العالم، خصوصا في البلدان النامية، بسبب التأخر في تشخيص الأخطار، والوصول الى الرعاية، وتقديم الخدمات الصحية المناسبة والفعّالة. وعلى رغم وجود لبنان في منطقة مضطربة، إلا أنه سطر قصة نجاح في موضوع صحة الأمهات.
“وفيات الامهات في لبنان قصة نجاح”، عنوان كتاب أصدره الإختصاصي في الأمراض النسائية والتوليد الدكتور فيصل القاق والمدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار، ويتضمن التجربة اللبنانية عن خفض وفيات الامهات وتحقيق الهدف الخامس من أهداف الالفية. في الكتاب محاور عدة عن أعباء وفيات الأمهات والتقدم المحرز عالمياً لجهة خفض وفيات الامهات بنحو 47 في المئة بين عامي 1990 و2013، حيث تركز الإنخفاض في البلدان التي اعتمدت إصلاحات سياسية اجتماعية وصحية، على أهمية تغطية أوسع للحوامل ورعاية الحمل واستعمال وسائل تنظيم الأسرة وتقصي حالات الحمل الصعبة واحالتها الى مراكز متخصصة. غير أن الوفيات لا تزال مرتفعة نسبياً بمعدل 830 وفاة يومياً تتركز معظمها في 6 بلدان هي: الهند، نيجيريا، باكستان، أفغانستان، أثيوبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث يتجلى الفارق المخجل بين ايسلندا حيث معدل الوفيات 2,4 يقابلها في جنوب السودان 957 اي 500 ضعف.
أما أسباب وفيات الأمهات، فاغلبها مرتبط بأسباب قابلة للمنع، مثل الاجهاض غير الآمن، نزف ما بعد الولادة والتهابات “حمى النفاس”، اي التهاب الرحم بعد الولادة، وكذلك فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). ويشار الى أن 8 بلدان لا تزال معدلات وفيات الامهات فيها مرتفعة، من بينها الولايات المتحدة الأميركية، والسبب عموماً حمل المراهقات وغياب المتابعة. وفي المقابل هناك فقط 18 دولة تمكنت من تحقيق الهدف الخامس للألفية، من بينها لبنان.
ويتطرق الكتاب الى الأسباب التي جعلت لبنان بين الدول الـ18، وأبرزها تمكين وزارة الصحة وكذلك النظام الصحي، في تفعيل المستشفيات الحكومية وتوسيع شبكة الرعاية الأولية، ما زاد من تغطية متابعة الحمل ورعايته لدى نحو 95 في المئة من الحوامل، وكذلك في الولادة، والتزام الحكومة ووزارة الصحة انشاء اللجنة الوطنية للأمومة المأمونة وتفعيلها بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية وبدعم من صندوق الامم المتحدة للسكان. وتتابع اللجنة حالات الوفيات وتوثقها وتدرس طبياً أسباب الوفاة لتبني عليها تدخلات طبية ناجحة وفعّالة.
وقد طورت اللجنة آليات للرصد والمتابعة ودرّبت مجموعة من الإختصاصيين على هذا الموضوع. كما يشير الكتاب الى عملية التحقق والتدقيق في الارقام الصادرة في كل مكان عن وفاة الأمهات في لبنان، والتي تبدو غير واقعية، حيث تشير الإحصاءات منذ مطلع تسعينات القرن الماضي الى معدل 300 وفاة في الـ100 الف ولادة حيّة، ليصبح الرقم اليوم 23 وفاة لكل 100 الف ولادة حية، ولتبين أرقام الرصد انه من عام 2010 الى الآن راوحت الوفيات بين 9 حالات و20 حالة.
وقدمت اللجنة توصيات لتدخلات طبية فعّالة، بعدما راجعت أسباب وفيات الأمهات، منها التقصي المبكر لبعض هذه الحالات واحالتها فوراً الى 3 مراكز متخصصة في لبنان، ليتم التعامل معها من خلال فريق طبي متخصص، الأمر الذي ساهم في خفض حالات الوفيات الناتجة عن تلك الاسباب.
ويتطرق الكتاب أيضاً الى أحوال صحة الأمهات اللاجئات، فعلى رغم وجود نحو 40 ألف ولادة سنوياً بين اللاجئات السوريات لم يسجل اي ارتفاع غير عادي في وفيات الأمهات، وهذا بفضل مرونة النظام الصحي وفاعليته وقدرته على استيعاب الأعباء الصحية الطارئة.
ويختم الكتاب بعرض الاتجاهات المستقبلية لتعزيز هذا النجاح، وللوصول الى النساء الأكثر عرضة للأخطار ومن بينهن اللاجئات، والعمل على إدخالهن في الرعاية الصحية لضمان حمل آمن وولادة سليمة. كذلك العمل من ضمن النظام الصحي لتعزيز القدرة على تقصي الحالات الصعبة والتعامل معها، من خلال فريق مدرب ومهيأ لتدخلات جراحية وغير جراحية طارئة.
النهار
الوسوم :تراجع "وفيات الأمهات في لبنان": كتاب يروي قصة نجاح الرعاية الصحية