تُعدّ موافقة البرلمان المصري، أمس الأول، على مشروع قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام خطوة جديدة على طريق تقنين سيطرة الدولة على المجال العام، وضمان استمرار الصوت الواحد في الإعلام سواء الرسمي أو الخاص.
فعلى الرغم من قدرة الدولة، طوال السنوات الماضية، على إحكام السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، سواء المملوكة للدولة أو المملوكة لرجال أعمال، واختفاء الأصوات المعارِضة من وسائل الإعلام تقريباً، يأتي القانون ليضع إطاراً قانونياً لتلك السيطرة ليقضي على أي فرصة للانفتاح الإعلامي مسبقاً.
القانون الذي وافق عليه البرلمان يختصّ بتشكيل وتنظيم عمل الهيئات الرئيسية التي ستشرف على الإعلام في مصر، وهي وفقاً للقانون، المجلس الأعلى للإعلام، وهو المجلس المنوط به الاشراف على سائر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والهيئة الوطنية للصحافة، وهي الهيئة المنوط بها إدارة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة والهيئة الوطنية للإعلام، وتختصّ بإدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة.
أول ما يلفت الانتباه في القانون الذي وافق عليه البرلمان، أنه تجاهل حواراً اجتماعياً استمرّ لسنوات ثلاث، كانت الحكومة طرفاً فيه، وضمّ ممثلين عن الصحافيين والإعلاميين وشخصيات عامّة. ونتج منه مشروع قانون الإعلام المُوحّد، والذي كان من المُقرّر أن يشمل تأسيس المجلس الأعلى للإعلام والقواعد المُنظّمة للصحافة والإعلام وحماية الصحافيين من السجن في قضايا النشر.
وعلى الرغم من الحوار الاجتماعي المُمتدّ والتوصّل إلى درجة من التوافق حول قانون الإعلام المُوحّد، جرى الفصل بين القوانين المُنظّمة للإعلام والصحافة وتشكيل الهيئات المُشرفة عليها.
الطريقة التي صدر بها القانون تُمثّل إصراراً من قبل الدولة على النهج نفسه الذي تتّخذه في إصدار التشريعات بتجاهل الأطراف ذات الصلة بتلك التشريعات أو إهمال آرائها.
وأهمية القانون الذي وافق عليه البرلمان، أنه يشكّل الهيئات التي سيكون من حقها الإدلاء برأيها في التشريعات المتعلقة في الصحافة والإعلام لاحقاً. وهو ما يعني أن الدولة تضمن مسبقاً صياغة القوانين التي ستُنظّم الصحافة والإعلام. وهو ما بدا واضحاً في تشكيل المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، والهيئتين المنصوص عليهما في القانون. فعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي من تشكيل المجلس هو ضمان الاستقلال سواء عن السلطة التنفيذية أو التيارات السياسية أو أي جهة أخرى، إلا أن نص التشكيل المنصوص عليه في القانون، قد ضمن سيطرة الدولة على المجلس. فعدد أعضاء المجلس 13 عضواً، منهم عضوان تختارهما نقابة الصحافيين وعضوان تختارهما نقابة الاعلاميين، بينما يختار رئيس الجمهورية رئيس المجلس واثنين من الشخصيات العامة، ويختار جهاز تنظيم الاتصالات ممثلاً عنه، والشؤون الإدارية في مجلس الدولة عضواً آخر، ورئيس جهاز حماية المستهلك عضواً في المجلس وفقاً لمنصبه، وعضوان يختارهما البرلمان، وممثل للمجلس الأعلى للجامعات من أساتذة الصحافة والإعلام. وبذلك تكون الأغلبية في المجلس ممثلة للدولة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أن النقابتين المختصّتين بالصحافة والإعلام تختاران أربعة أعضاء فقط، بينما المُعيّنين من قبل السلطة التنفيذية بشكل مباشر ثلاثة من رئيس الجمهورية، بالإضافة لممثل لجهاز الاتصالات التابع للدولة، ورئيس جهاز حماية المستهلك التابع للدولة أيضاً، واثنين يختارهما البرلمان، المؤيد للدولة. أي أن هناك أغلبية مضمونة لمصلحة أي قرار تريده الدولة. وهو بالذات ما يوفر للدولة السيطرة الكاملة على المناخ الإعلامي. فإصدار تراخيص وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، والقواعد المُنظّمة للإعلام ستكون مهمة المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، كما أن المجلس والهيئتين التي نصّ القانون على تشكيلها ومهامها ونظام عملها، وضَمِن للدولة اليد العليا فيها، سيكون لها دور فعال في إصدار القوانين المنظمة للإعلام والصحافة.
القانون الذي وافق عليه البرلمان، قوبل باعتراضات من المجلس الأعلى للصحافة الذي أرسل ملاحظاته لرئيس البرلمان. وتضمّنت تلك الملاحظات الاعتراض على تقسيم قانون الإعلام الموحّد، والذي كان حظي بتوافق بين أطراف حوار اجتماعي شاركت فيه الحكومة، إلى قانونين.
واعتبر رئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف، في خطابه لرئيس مجلس النواب علي عبد العال، أن «هذا التقسيم سيؤدي إلى أن الهيئات الصحافية والإعلامية التي سيجري تشكيلها، سوف تقوم بتطبيق القوانين السارية بالفعل الآن في ما يتعلق بتنظيم الصحافة والإعلام. وعلى سبيل المثال، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى التعامل مع تعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير وفقاً للشروط القائمة في القانون 96 لسنة 1996، وهي محل شكوى واعتراض من جانب غالبية الصحافيين، وكذلك سوف تبقى الصحف الالكترونية من دون أي تنظيم قانوني لأن التنظيم الوحيد لها هو ما كان مقترحاً في مشروع القانون الموحد»، معرباً بذلك عن تخوّفه من عدم إصدار القانون المنظّم لعمل الصحافة والإعلام من الأصل.
ورأى عارف في خطابه أنه كان من الأولى، طالما تمّ تقسيم قانون الإعلام الموحد لقانونين أن تتم مناقشتهما معاً ومن دون فاصل زمني. كما أبدى المجلس اعتراضه على ما أعطاه القانون من غلبة للسلطة التنفيذية في تشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية على حساب ممثلي الهيئات المستقلة ما يؤدي إلى «عدم التوازن ويخلّ بمبدأ الاستقلالية ويفتح الباب أمام الطعن في دستورية القانون، ويطلب المجلس العودة إلى التشكيل المُقترح للهيئات الثلاث الوارد في مشروع القانون الموحد الذي تمّ التوافق عليه مع الحكومة» بحسب نص الخطاب.
نقابة الصحافيين أيضاً أبدت اعتراضها على القانون عبر لجنة التشريعات في النقابة، والتي تضمّنت أيضاً نقداً للطريقة التي تمّ بها إصدار القانون مُتجاهلة مُخرجات الحوار الذي دار على مدار ثلاث سنوات، ومُنتقدة هيمنة السلطة التنفيذية على تشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية بالإضافة لمُلاحظات أخرى.
القانون الذي وافق عليه البرلمان أمس الأول، وسيجري بموجبه تشكيل الهيئات المُشرفة على الإعلام، لم يتطرّق لصلب القواعد المُنظّمة لعمل الصحف ووسائل الإعلام. ولكنه مهّد لسيطرة كاملة من قبل الدولة على تلك القواعد والتي سيأتي دورها قريباً جداً. وعلى الرغم من أن الإعلام في مصر أصبح منذ سنوات تحت سيطرة الدولة بشكل شبه كامل، وتمّ استبعاد المعارضين بشكل شبه منهجي من مختلف وسائل الإعلام، إلا أن القانون يُمهّد لتقنين تلك السيطرة وإضفاء طابع قانوني عليها، ليصبح تغيير هذا الوضع مستقبلاً أمراً أكثر صعوبة.
مصطفى بسيوني
السفير
الوسوم :تشريعات الإعلام: الهيمنة تتواصل