انها المرة الاولى اشاهد هذا الكم من الالوان الحارة والمشرقطة في معرض واحد. جوزف فغالي يرسم كثيرا ويستعمل الالوان الفرحة كثيراً، لكنه هذه المرة يقدم لنا في “غاليري اكزود”، نزلة العكاوي، الاشرفية، باقة مشرقة من الصبغات تلملم من الطبيعة وعوالم الخيال افراحها.
كان جوزف فالوغي في الماضي يغرف من ملوانته عشوائيا صبغات تحمل بعضا من اوساخ عالقة فيها فتنتقل الى اللوحة، وهذا ما كان يزعجني وكنت اقوله له دائما. لكن تجربته تخمرت الآن واصبح جاداً في تعاطيه مع الألوان، مما ساهم في جعل اللوحة تحمل الحنان التجريدي في تلاقي تكتلاته قد اقول الطاهرة لكثرة ما انتبه الى جعلها رسائل طرية، مختارة بدقة، حاملة تموجات متلاحقة او متعارضة من دون ان تخطئ في مساراتها، مكتفية بإشارات عريضة فاتحة جميلة معدية في انسيابها احيانا كشلالات متدرجة لا تترك للاخطاء التشويهية النزول الى الساحة لأن العمل جدي لا سباق فيه ولا سرعة مفروضة للتخلص من المهمة التخطيطية والتلوينية في أسرع وقت ممكن.
هنا في الصالة تستقبلنا 16 لوحة بتلاوينها، فنعرف بسرعـــة ان الفنــان ثمل من فلش الاجواء بالاصفر والاحمر والاخضر ومشتقاتها وصبغاتها المخففة والمغمقة من دون التضحية بتلاقيها ومن دون ارتكاب الاخطاء التي كانت سارية سابقا ومسببة لمآخذنا القديمة.
ان يكون العنوان “تقاسيم” هو القاسم المشترك للمجموعة فإنه يعزز فينا الشعور بالارتياح امام هذه التجريدات الكبيرة في غالبيتها، الناشئة من الفراغ، الجامعة التدرجات العديدة لالوانها الاساسية. الحديقة تملأ المكان، فيخال إلينا ان عطورها ستفوح وسنتعرف إليها لانها صريحة في توجهها عبر اطرها ولأنها توشوشنا بأنها نزلت من الجبل لتوزع علينا في المدينة ما يفرح القلوب حتى الاشد قسوة بينها.
نغتنم الفرصة ونتنشق اريجها وقد ننحني لتحيتها وشكرها، لكننا نحن الناضجين نخجل من تصرفات الابرياء، فنتماسك وننسحب. غير أننا نبقى اكثر من العادة، كأننا نشعر بأننا نفارق اشياء نحبها.
لقد أفرح جوزف فالوغي أرواحنا، وربما سيفرح غيرنا اذا عرفت قلوبهم التجاوب مع الدعوة الى التفاعل. اما نحن فقد أفدنا مما شاهدناه.
لور غريّب
النهار