وضع المؤتمر الإقليمي عن “الدور المدني للجامعات العربية” مؤسسات التعليم العالي في المنطقة أمام مسؤولية أساسية لبلورة تعريف واضح لهذا الدور ومدى تكامله مع الخطاب، البرامج (الإجازة والماجستير) والمقررات المحفزة لهذا الدور.
انعقد المؤتمر الأكاديمي، بدعوة من الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية، وتحول مختبراً بحثياً أكاديمياً أرادته الهيئة لإعادة تموضع “الدور المدني” للجامعة والذي لا يجب أن يذوب دوره أو تتفوق عليه أولوية جودة التعليم ومكانة البحث العلمي.
لا تبدو النتائج الأولية للبحث في ما خص لبنان “مشجعة جداً” وفقاً لما قرأه مدير المشروع التابع للهيئة وعنوانه “الدور المدني للجامعات العربية” الدكتور عدنان الأمين. فقد تصدرت الجامعة الأميركية في بيروت في النموذج الأول، في تكامل الدور المدني في عناصر الخطاب، البرامج والمقررات المحفزة لهذا الدور، وهذا يرتبط بتاريخها ودورها في لبنان والعالم العربي. وتساوت وفقاً للبحث الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف في “تطعيم” برامجهما” فقط بدور مدني، بينما يغيب ذلك في الخطاب والمقررات. أما جامعة سيدة اللويزة فأظهر البحث “كياناً” للدور المدني في الخطاب والبرامج وغياب في المقررات.
ماذا عن تعاون الهيئة مع معهد عصام فارس؟ رأى مدير المعهد الدكتور طارق متري في مداخلته أننا “نتوق دائماً لفهم أكبر لدور الجامعات في الحياة العامة ولتعزيز رسالتها خارج أسوارها”. وشدد على دور المعهد “في بناء جسور بين الجامعة والحياة وبين منتجي المعرفة وصناع السياسات رغم تفاوت إهتمامات كل فئة منها”. وثمّن دور البحوث العلمية التي تعرض في المؤتمر وتصدر من خلالها توصيات تصلح لرسم سياسات جديدة من أجل تعزيز الدور المدني في المؤسسات الأكاديمية”.
كيف ولد المشروع؟ أجابت رئيسة الهيئة الدكتورة ندى منيمنة في كلمتها أنه “تم الحصول على نصوص وأخبار من مواقع 36 جامعة من فريق واسع من الباحثين المساعدين عمل طوال ستة أشهر من دون إنقطاع”. أضافت: “إستكملت عملية جمع المعلومات عن طريق الإتصال المباشر بالجامعات المعنية، كما جرى في مصر ولبنان”. وعن الدراسة الميدانية للمشروع قالت، “انها تتضمن نصوصاً بقصد المقارنة بين الوقائع والنوايا في 18 جامعة من أصل 36 جامعة التي جرت دراستها إنطلاقاً من مواقعها الإلكترونية…”.
ورأى الأمين “ان الدور المدني يتجسد في مجموعة من القيم والمعارف والمهارات والمواقف العامة التي تنتظم تحت عناوين مثل: الديموقراطية، المواطنة، ثقافة القانون، تعليم العلوم الإنسانية والاجتماعية، خدمة المجتمع، الالتزام المدني وبيداغوجيا التقصي والمداولة. وافترضنا أن هذا الدور يظهر في الخطاب الجامعي والنشاطات والبرامج والمقررات وغيرها”.
أما الدوافع لتبني هذا المشروع فإرتبطت بإنطلاق “الربيع العربي” والتعثرات الدراماتيكية التي رافقت مسيرته في بلدان عربية عدة كعامل أساسي للتفكير في مشروع هذا البحث. وأشار إلى أن الحوادث التي تلت، أظهرت “ضعف المخزون المدني في عمق المجتمع، ولدى الشباب أيضاً، حيث تحول الأمر الى عصبيات قبلية وتطرف ديني، ونزاع مسلح بين الجماعات…”. واعتبر أن مؤسسات التعليم العالي جزء من هذه البيئة، كمناخ داخلي او كزاد تحمّله للمتخرجين الذين تضخهم في المجتمع كنخب وسطى او عليا. والفروق بين الدول العربية في هذا المضمار واضحة”.
وبرأيه، ظهرت منذ التسعينات كتابات شديدة النقد للنزعة الاقتصادية النيوليبرالية التي اجتاحت مؤسسات التعليم العالي عبر العالم القائم على التنافس وتلبية سوق العمل. ورأى أن هذا “الواقع وضع المسائل الاجتماعية والسياسية والأخلاقية جانباً، وهمّش تعليم الإنسانيات ووضع الأساتذة تحت رحمة التعاقد القصير المدى وصولاً إلى إرتباط مكونات البحث بالإعتبارات السياسية أو بمراقبة البرامج والمناهج سياسياً أو تضييق الحريات الأكاديمية أو تغذية الجو الجامعي بأنشطة ذات طابع سياسي.
النهار