في قلب والدة سراب حرقة ومرارة، فهي متأكدة من أنها السبب في تعب وقلق إبنتها البالغة من العمر 7 سنوات. فقد انتقلت مع عائلتها للعيش مع أهل زوجها منذ عامين، كي يساعدوها في تربية ابنتها، خصوصاً أنها تعمل وزوجها لساعات طويلة، “كانت الضحكة لا تفارق وجهها حينها، وكانت تتصرف بعفوية وخفة ظلّ، وكيف أنسى مشاركتها في النشاطات المدرسية وغناءها على المسرح أمام الجميع؟ كأنّها تحوّلت الآن إلى شخص آخر أكثر من خجول، فهي إن تكلّمت تردّدت كثيراً قبل ذلك، كما يبدو القلق والخوف عليها لمجرد وجود أشخاص غرباء، وأصبح من شبه المستحيل رؤيتها تضحك أو تغنّي بفرح”، بهذه العبارات وصفت الأم وضع ابنتها.
تفسر خالة سراب الموضوع كالتالي: “هناك اختلاف كبير في طريقة العيش ما بين عائلتنا (أي عائلة والدة سراب) وعائلة والدها التي تعيش معها في الفترة الأخيرة، فعندما كنت أعيش في منزل شقيقتي، كنت أمضي معظم الوقت مع ابنتها نلعب ونضحك ونتسلى، حتى إننا كنا نغني معاً ونمرح، أما الآن فالمسكينة تمضي وقت فراغها مع جدها المتسلّط، وجدتها التي لا تتوقف عن إعطائها الملاحظات وأحيانا تُشعرها بالقلق والخوف عمّا سوف يقوله الناس عنها وعن خطورة أن تضحك وتلعب أمام الضيوف، وقد سمعتها مرة تقنعها بأنه عليها أن تتكلم بصوت منخفض مع الآخرين، وأن تختار بحذر الكلام الذي ستتفوّه به كي لا تتسبّب بالمشكلات للكبار”.
يحمل الطفل عبر جيناته أموراً عدة يرثها عن أهله، أما غالبية السلوكيات والعادات فهي مكتسبة من البيت والمدرسة. فالطفل يلد وينشأ عفويّاً مسالماً وإيجابيّاً، وقد يستمرّ على ذلك النحو أو يتحوّل تفاؤلُه إلى قلق وسلبية وتوتّر بحسب البيئة التي يعيش فيها والأشخاص الذين يتأثر بهم. ويُعتبر دور الأهل أساسيّاً في تنمية الإيجابية لدى الطفل في سنواته الأولى.
الطفل الإيجابي لا يغضب، لا يصرخ، ولا يبكي دون أسباب منطقية وواضحة، وهو كلّما تقدّم بالعمر كلّما اعتمد على نفسه وتمتّع بالمرونة في مواجهة الظروف والآخرين وحاول إيجاد مخرج أو حلّ للمشكلة التي يتعرّض لها.
ويتأثّر الطفل بردة فعل أهله على تصرّفاته، فنلاحظ أنّ بعض الأطفال يعبسون لا يلعبون مع الغير، ويتساءل الأهل عن سبب ذلك متناسين أو غير متنبّهين للدور الذي لعبوه وأثّروا من خلاله على ولدهم.
فالتسلّط على سبيل المثال وسلب الطفل قراره وحرّيته بحجة تربيته بشكل جيد، وتخويفه من النتائج، وتهديده ينمّي لديه القلق والضغط النفسي والخوف وبالتالي عدم الشعور بالراحة والعفوية.
إنّ منع الطفل من أخد المبادرات خوفاً من الفشل، والحماية الزائدة له يجعلانه ضعيفاً وتبعياً، لا جرأة لديه للإقدام، ما يفقده القدرة على اتّخاذ القرارات المصيرية في المستقبل، فيرى دائماً الجانب السلبي للأمور. من الجيد تشجيع الطفل على الخروج واللعب مع رفاقه ومشاركته في المناسبات الإجتماعية، لكن حذار من محاصرته بالقلق والخوف والتوتر، الذي سينتقل إليه ويصبح من الصعب تحريرُه منه.
ينقل الأطفال تصرفات الأهل، لا بل يقلدونهم وبالتالي لا نستطيع أن نتوقع ممّن يعيش جوّا من العنف والغضب أو الإهمال والتسيّب أو الغيرة والمقارنة بالغير والشعور بالذنب أن يكون إيجابيّاً.
غالباً ما يتوجّه الأهل إلى العيادات النفسية طالبين مساعدة أبنائهم على التصرف بحرّية وعفوية، غير واعين للدور العظيم الذي يلعبونه على هذا الصعيد.
كيف تساعد طفلك ليصبح إيجابيّاً؟
بداية، زوّده بما يحتاجه من معلومات ونصائح وتوجيهات، وبعدها إسمح له وشجعه على القيام بتجربة ما يريد القيام بها بعد توعيته على ما يمكن أن يؤذيه. من المهم تعليم الطفل المبادئ والقيَم والنظام والضوابط، كعدم الكذب والتهذيب وكيفية التعاطي في المجتمع.
وبعد ذلك السماح له بالمبادرة والقيام بالنشاطات.
ربّوا أولادكم وعلمّوهم النظام ولكن لا تسرقوا عفويتهم وإيجابيتهم بالمبالغة بالقلق والخوف والتوتر.
الجمهورية