وقع السفير البابوي المطران ادمون فرحات كتابه “الفاتيكان في مبانيه ومعانيه”، بدعوة من بلدية جبيل، في إحتفال أقيم في الحديقة العامة في المدينة، شارك فيه السفير البابوي في لبنان غبريال كاتشيا، راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، رئيس بلدية جبيل زياد الحواط، سفير لبنان لدى الاونيسكو خليل كرم، الأمين الأسبق لحزب “الكتلة الوطنية” جان الحواط،الشيخ جهاد الشيخ، رئيس جمعية “آنج” الاجتماعية إسكندر جبران، وحشد من الفعاليات والمدعوين.
عبود
بعد النشيد الوطني، ثم كلمة عريفة الاحتفال الزميلة مايا شديد، ألقى الاعلامي وليد عبود كلمة تحدث فيها عن أهمية الكتاب وأبعاده، وقال: “الفاتيكان في معانيه ومبانيه عنوان مميز، لكتاب آسر جذاب، لأنه عن مدينة بحجم دولة، وعن دولة لا حدود لها، فأبناؤها يتوزعون في أنحاء الارض كلها، وأرضها لا تقاس بالخمسة آلاف متر مربع، بل بالآفاق والاعماق التي تربط الأرض بالسماء”.
وأضاف: “الكتاب آسر جذاب لأن كاتبه المطران ادمون فرحات أسقف وسفير بابوي، واختبر الفاتيكان من داخل، عايشه، وعمل فيه. سيم أسقفا على يد قديس هو يوحنا بولس الثاني، وكان سفيرا له في عدد من دول الشرق والغرب. وهو انطلاقا من هذا كله نفذ من الخارج الى الداخل، أدرك الجوهر والروح، فكتب عن المدينة الخالدة ما سيدخل في سفر الخلود”، متسائلا: “لماذا آثر المطران فرحات أن يعنون كتابه الفاتيكان في معانيه ومبانيه؟، فنحن نعرف، وهو يعرف قبلنا، ان البحث دائما يبدأ من الخارج الى الداخل، من المبنى الى المعنى، من الشكل الى المضمون. هذه هي القاعدة والعرف. فلم آثر المطران، ابن عين كفاع، ورئيس أساقفة بيبلوس شرفا أن يكسرهما؟. هل أخطأ سهوا، أم تعمد ان يخطىء؟، صحيح أن الخطأ أمر انساني وجل من لا يخطىء، لكن هل مسموح لمن هو في رتبته ومرتبته، في علمه وعمله، ان يرتكب خطأ، وفي العنوان بالذات؟”.
وتابع: “نعم، انه خطأ، لكنه عندي خطأ مقصود. فالمطران فرحات هو ابن الانجيل أولا وآخرا. ولأنه ابن الانجيل فهو سمع صرخة معلمه في مرتا، أن لا تهتمي بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد. فكأنه يقول لنا عبر هذا العنوان، الخاطىء شكلا والصحيح مضمونا: ليس علينا ولا عليكم أن تهتموا لا بالشكل ولا بالمبنى. اذهبوا فورا وحالا الى الواحد المطلوب. اذهبواالى المعنى، الى الجوهر. اذهبوا الى المسيحية الحق، حيث الكلام الجوهري هو الطريق والحق والحياة”.
وقال: “في الجوهري ثلاث ملاحظات، لا بد لمن يقرأ الكتاب أن يسجلها، الاولى، ان الكنيسة الكاثوليكية فيها بعدان: العد الروحي، الرعوي، الديني، والبعد الاداري، التدبيري، المدني. وهي لم تستطع أن تحافظ على وجودها، ولا أن تنتشر، ولا أن تتقدم وتتطور لولا هذه الثنائية التي تميزها، وتجعلها خلية حية تجمع بين الصلاة والعمل، بين الماوراء والواقع، بين الروح والجسد. لكن مقابل هذه الخلية، الناجحة، المتطورة، أي نموذج تقدمه كنائسنا المشرقية؟”، متسائلا: “هل نحن حقا على قدر التحديات المطروحة والمفروضة علينا؟”.
ولفت إلى انه “في الغرب التحديات أقل، ومع ذلك الكنيسة مأسست نفسها، وبنت مكاتب وادارات، وأنشأت دواوين ووزارات. وأوجدت مجامع ومنظمات، صبت كلها، كما قال المطران فرحات، في خدمة الكلمة، كلمة الله الذي صار انسانا”، مضيفا: “أما هنا في لبنان وفي الشرق فظلت محاولاتنا لمأسسة الكنيسة ضعيفة وخجولة. فما نملكه أشباه مؤسسات لا مؤسسات بكل معنى الكلمة. وقد يكون هذا الأمر من الاسباب الرئيسية لضعفنا وانهيارنا وتراجع وجودنا في هذه المنطقة”.
وتابع: “نحن كمسيحيين مشرقيين نميل في معظم الاحيان الى أن نبكي كالنساء ملكوتا لم نعرف كيف نحافظ عليه كالرجال. نحن في الشرق وفي لبنان نميل في معظم الاحيان الى تحميل المسؤولية لسوانا. هكذا فان الاخرين الذين يحاربوننا باسم الله والدين هم دائما الشياطين، فيما نحن الملائكة. وهم الجزارون فيما نحن ضحايا. ومع أن هذه المقاربة قد تكون صحيحة نوعا ما، لكن أليس علينا أن نسأل: من أجبرنا ومن أرغمنا على لعب دور الضحية؟، ومن أجبرنا وأرغمنا على الانكفاء والتراجع وحتى الاستسلام؟.. أليس خنوعنا؟ واستسلامنا؟.. أليس لأننا بلا مؤسسات حقيقية، قوية، فاعلة، تحمي وجودنا وتحافظ عليه؟”.
وأردف: “نحن مدعوون الى وقفة وصحوة. فليس مقبولا في بدايات القرن الحادي والعشرين أن نظل مشتتين ومشرذمين وضائعين، وليس مقبولا ان نبقى بعيدين من روح المؤسسات، وأن نبقى روحا بلا جسد قوي يحمل هذه الروح، ويحضنه، ويحميه. من هنا مطالبتنا بكنائس مشرقية رؤيوية وفاعلة في آن، مخططة ومنفذة. ففي زمن الدواعش وأنصار الله وأحزاب الله صار مطلوبا، أن نكون كنيسة على قدر التضحيات والتحديات، وأن نكون كنيسة العبد الامين، التي تحافظ على الوزنات، وتثمرها، وتعززها (..)، كنيسة يكون قولها وعملها ممتدا من مشارق الارض الى مشارف السماء، فلا توضع تحت مكيال بل على منارة، لتضيء ليل هذا الشرق المظلم الظالم”.
وقال: “الملاحظة الثانية، الكنيسة المقدسة، الجامعة، الرسولية، التي يرأسها شخص واحد ذو سلطة مطلقة، هو خليفة بطرس الصياد، بابا روما، كما كتب المطران فرحات في كتابه. وهذا يعني بالتعبير العامي انها مؤسسة برأس واحد لا برؤوس عدة. فهل هذا الامر ينطبق على كنائسنا المشرقية؟، يعني في العمق والجوهر لا في الشكل والظاهر؟”، مضيفا: “المؤسف انه كما ان جسد الكنيسة المشرقية مفسخ منقسم، ومفتت مشتت، كذلك فان الرأس الذي يفترض أن يكون واحدا هو رؤوس. لذا القرار عندنا أحيانا قرارات، وأحيانا لا قرار. وبين تعدد القرارات واللاقرار ضاعت المسيحية المشرقية، وغرقت في بحر لا نهاية لأعماقه ولا قرار”.
وتابع: “الملاحظة الثالثة والاخيرة، في كتابه يسلط المطران الضوء على اللجان والمكاتب والمؤسسات الفاتيكانية، التي تهتم بالأبحاث التاريخية، وبالتراث الثقافي الكنسي، وبالارشيف والمتاحف، وبالاثار والمكتبات التاريخية العامة، ما يدل على وجود تنظيم مركزي شديد يحفظ التراث ويمنع عنه عوامل الزمن، ويحميه من الذوبان والاندثار والضياع. فأين اللجان والمكاتب والمؤسسات التي تهتم بهذه الامور عندنا؟، لماذا لا تنشأ؟، واذا كانت موجودة لماذا لا تفعل؟، ولماذا نشعر في أعماقنا ان تراثنا مشتت، وضائع، وموزع، تماما كما نحن مشتتون، وضائعون، وموزعون؟، واذا كان حاضرنا غامضا، ومستقبلنا مجهولا، هل كثير علينا اذا طالبنا بالا نضيع الماضي على الاقل، حتى لا نصبح بلا ماض وبلا حاضرٍ وبلا مستقبل؟”.
عبد الملك
ثم ألقى المحامي سمير عبد الملك كلمة، إستهلها بتهنئة رئيس بلدية جبيل والمجلس البلدي على التطور الانمائي والسياحي والحضاري في المدينة، معتبرا أن هذا “الاحتفال يعطي الامل بأن وطننا يضم بين أبنائه أمثال الحواط وفريق عمله، هو بلد يستحق الحياة ولن يموت”.
وقال: “رغم كل الظروف الصعبة التي نعيشها وحالة اليأس والاحباط لقتل معنويات شعبنا، ودفعه الى الاستسلام والخضوع للامر الواقع، فإن مجتمعنا ما زال ينبض بالحياة والمشاريع، مخالفا كل التوقعات بقرب إنهياره”.
وتحدث عبدالملك عن “روحانية المطران فرحات وعراقته وديبلوماسيته”، واصفا إياه بـ”أنه إبن مدرسة وطنية لم تقبل المساومة على الثوابت الوطنية والقيم الاخلاقية، بل بقي وفيا لمبادئه وقناعته، صلبا في مواقفه وشاهدا حيا على رسالة المسيح”، معددا “الكتب التي أصدرها المطران منذ العام 1991 حتى اليوم وأهميتها”، معتبرا أن “كتابه جاء ليسد نقصا كبيرا في مكتبتنا العربية، ويستحضر كل معاني هذه المدينة ومبانيها التي شهدت تطور المسيحية عبر العصور، ورغم كونها أصغر دولة في العالم سكانا ومساحة، فهي تستقي دورها وأهميتها من مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم في دفاعها عن القضايا السلمية والأخلاقية”، مشيرا إلى أن المطران “يضيف في كتابه مدماكا الى مداميك المعرفة، لأنه كما قال عنه الأب ميشال الحايك: خبير دقيق من أهل البيت، مؤتمن على أسراره وكنوزه، من مخطوطات ووثائق نادرة وفريدة، شكلت وما تزال مستودعا لذاكرة العالم بما فيه من بؤس ورجاء”.
وتابع: “الكتاب شيق بمضمونه كما بإخراجه الفني الأنيق، يجب أن لا يحجب الدور الروحي الكبير الذي لعبه الفاتيكان، بعد أن تحرر من السلطات الزمنية، والخلافات السياسية والانشقاقات، وارتفع بدوره الريادي الروحي والانساني، ليصبح مرجعا روحيا، ويلعب دورا إنسانيا فوق كل الاعتبارات والمصالح الأرضية”.
وأردف: “كم نحن بحاجة اليوم الى الاقتضاء بهذا الدور، وتنشيط حيويات مجتمعية، بعيد عن تعقيدات المؤسسة الرسمية القائمة من دينية ومدنية حول حوار الحياة، والعيش معا لمواجهة تحديات الحياة من الفقر والعوز والمرض، والاقتصاد والدولة والبيئة، التي نعيش اليوم فصلا من فصولها المأسوية، كم نحن بحاجة في ظل التطرف الأعمى الذي يضرب منطقتنا، الى تجديد دورنا، ومد جسور التواصل والانفتاح وقبول الآخر المختلف، والتفاعل معه، من دون إلغاء للخصوصيات والفوارق التي تصبح مصدر غنى للجميع”.
وذكر بـ”الاعلان القيم الصادر منذ أيام عن المؤتمر المقاصدي الاسلامي الأول تحت عنوان” إعلان بيروت للحريات الدينية”، الذي يهدف الى نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والتنوير، تعزيزا لدور “لبنان الرسالة”، الذي دعي اليه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي في بيروت عام 1997”.
الحواط
بدوره، تحدث الحواط عن “دور الفاتيكان على مر العصور” وقال: “من كتب دار النشر الفاتيكانية المطبوع في المطبعة العربية – بيروت، كتاب يحمل للقارىء بين أوراقه كنوز العلم والفن المحفوظة في جوارير هذه المساحة من الأرض، يأخذنا المطران الى حضارة الفاتيكان حيث الدولة العصرية التي تضم القوانين والسنن، وهي رأس السلطة الروحية الكنسية الكاثوليكية”، لافتا إلى أن “حاضرة الفاتيكان دولة صغيرة ذات مساحة رمزية وقوة معنوية تتعدى حدودها، رغم صغرها”.
وأضاف: “تنشأ الفاتيكان حسب ما جاء في الصفحة 41 من الكتاب لخدمة الرسالة التي أولاها السيد المسيح كنيسته وقوامها بعث الحياة في الانسان، وبث روح الحق في شريان الجسم الانساني. ويتابع المطران في كتابه بالصفحة 52، هكذا سعى جميع باباوات القرن العشرين لتبسيط صلاحيات هذا المجمع. ولم يكتف الفاتيكان بدور ديني بل سلط الضوء على دور العلمانيين، وتحملهم المسؤوليات الرعوية وانشاء المجالس الثقافية والحوار مع الثقافات والتبادل الفكري مع المؤمنين وغير المؤمنين وترسيخ الايمان المسيحي”. وتابع: “إلى جانب الناحية الايمانية والسياسية حيث يعتبر البابا رأس الدولة تأسست المطابع، الاذاعة، الجرائد والمجلات في نشر الثقافة والعلم في كل أرجاء الكون بلغات عدة، بالاضافة الى العلاقات المقامة مع المنظمات الدولية منها الجامعة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك لنشر رسالة المحبة والسلام، وتحديدا في الصفحة 88، يورد ان البابا القديس يوحنا بولس الثاني قال: المرء لا يستطيع أن يعيش بلا محبة”.
وأردف “بالاضافة الى المخطوطات العربية والاجنبية، هناك 850 الف مخطوطة قديمة، وما يفوق المليون كتاب مطبوع بين هذه الوثائق، وأقدم مخطوطة هي عربية موجودة في الفاتيكان، وربما في العالم كله تعود الى سنة 885، قدمها الى الفاتيكان الأب اندراوس اسكندر اللبناني. كما ان الرسوم الزيتية والمنحوتات زينت الجدران والقبب، وهي مشغولة على يد أشهر الرسامين والنحاتين كالفنان ميكال انجلو”.
وقال: “من دواعي الفخر والاعتزاز، ان تلتقي بلدية جبيل مع عمل ثقافي مميز، وهذا من صلب اهتماماتها. وكان الكاتب يطير بقارىء الكتاب الى حاضرة الفاتيكان والتنقل بين افنائه ومجمعاته بين أروقته وحدائقه بين كنائسه وثرواته الدينية، والفكرية، والثقافية كعاشق ولهان، يريد ان ينتقل من بلد الى بلد آخر للتعرف الى اسراره، يحملك سر المعرفة ان ترتاح في بلد آخر بعيدا عن هموم الحرب والتدمير بعيدا عن المشاكل التي ابتلينا بها”.
وأضاف: “المطران يجعلنا أمام علم جديد من الكتابة، هو علم الاستغراب أي يذهب بالانسان الشرقي الى العالم الغرب، بدل المستشرقين الذين يكتبون عن الشرق وخزائنه. فالكتاب نموذج تاريخي، وجغرافي، وحضاري، يؤرخ التطور التاريخي الديني الثقافي، ويسعى الى رفع الذات البشرية الى قيم الدين والحضارة، بعيدا عن القوالب الجامدة”.
وتابع: “لقد حدثت دول عربية عدة مبانيها وأنظمتها، متمنين أن يكون ذلك حافزا ومحركا للسلوك الانساني في سبيل اعلاء مشاعر التطلع نحو الرقي الديني والحضاري والثقافي بتغطية اعلامية وثقافية كما فعل في كتابه الفاتيكان في معانيه ومبانيه”.
وختم: “يعتقد العالم الغربي ان البلدان العربية لم تزل في انغلاقها، لكن العكس صحيح ما ينقصنا هو ابراز الدور الحضاري الديني والثقافي لجميع الاديان والتعتيم على الحوادث الامنية حتى نتمكن من التأثير الايجابي في ايصال مجتمعنا العربي الى نموه الظاهر والمغيب”، لافتا إلى أن “التعايش بين الفكر الديني والاجتماعي والبناء العمراني المنظم يسير بالانسان الى درجة الكمال والطمأنينة في رقيه نحو الروحانية والتكامل، ما يفيض بالروح الانسانية الى الارتقاء فوق التيارات والنعرات. هذا هو حال حاضرة الفاتيكان التي تزرع في ذاكرة المم الانفتاح والتواصل”، شاكرا للمطران ادمون فرحات “عمله الطلائعي الممنهج”.
عون
من جهته، قال المطران عون: “الفاتيكان دولة صغيرة بمساحتها، ولكنها كبيرة في رمزيتها الروحية والانسانية والسياسية، في المجتمع الدولي، رسالتها تاريخية ومسؤوليتها جامعة، فأعمالها متنوعة وحدودها لا تحصى، أن نتعرف إلى الفاتيكان أمر رائع تتوق إليه نفس كل مسيحي مؤمن، وكل من يهوى الاطلاع على هذه الدولة الصغيرة التي تشكل القلب النابض للكنيسة الكاثوليكية الجامعة. لقد أضاف المطران فرحات الذي عمل في خدمة الكرسي الرسولي منذ العام 1961، فبدء من إذاعة الفاتيكان القسم العربي، ثم في دوائر فاتيكانية عدة، والذي رقاه البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني الى الدرجة الاسقفية في 20 تشرين الاول 1989، وتم تعيينه سفيرا بابويا لدى الجزائر وتونس وليبيا ومندوب الكرسي الرسوليلدى منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، ثم سفيرا بابويا لدى سلوفينيا ومكيدونيا، وبعدها سفيرا لدى تركيا وتركمنستان، وأخيرا لدى جمهورية النمسا الفيدرالية حتى تقاعده في العام 2009، يقدم لنا في هذا الكتاب ما جناه طيلة هذه السنوات من معرفة وخبرة للحياة في الفاتيكان، ويسكبها في اسلوب شيق تستشف منه المحبة الكاملة للكنيسة، وكل التقدير للدور الذي يضطلع به قداسة البابا في رسالته الكنسية كرأس للكنيسة الكاثوليكية، وفي مهمته المدنية كرئيس دولة لها دورها وتأثيرها الكبير في الأسرة الدولية”، مشيرا إلى أن “الكتاب الذي يأسرك منذ صفحاته الأولى حتى نهايته، يقدم لنا فرحات في القسم الأول عرضا لكيان الفاتيكان ودوائر الكنيسة وإداراتها وتنظيماتها الكنسية والزمنية، ثم في القسم الثاني يخبرنا عن مباني الفاتيكان ومواصفاتها، شارحا بالتفصيل تاريخيتها ومبينا ديمومة معانيها الدينية والثقافية، فالمطران كما يقول عنه المونسنيور ميشال الحايك في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب منذ 25 سنة، هو خير دليل للتعريف عن الظاهر والباطن في الفاتيكان، لأن الفاتيكان قبل أن يكون عاصمة دولة وتراث وحضارة، هو كيان روحي رمز الكاثوليكية، منه تلج الكنيسة في حقيقتها وجوهرها ورسالتها، وهذا ما أراد المطران فرحات أن يبينه في كلامه عن سر الكنيسة في جوهرها اللاهوتي كجسد المسيح المنظور في قلب العالم، قبل أن يستفيض بالكلام عن المؤسسة، والمحسوس الذي يسلب النظر بما يحويه من جماليات هذا العالم الزائل. وختم المطران وهو خير دليل لأنه خبير دقيق من أهل البيت، عارف بما فيه، ويعرف من خلال مهماته المتنوعة التي قام بها طيلة ما يقارب نصف القرن في الدوائر الفاتيكانية أسرار الدار وهندسة العمارة ووجوه السكان والأنظمة والادارات والمجامع والمجالس والجامعات والكنوز والمتاحف والجنائن”.
فرحات
في الختام، ألقى فرحات كلمة تحدث فيها عن مسيرته الكهنوتية في خدمة الكنيسة والانسان، وعن دور الكرسي الرسولي في مساعدة المسيحيين والدور الذي لعبه ويلعبه في خدمة المواطنين، كما تطرق الى مسيرته كسفير بابوي في البلدان التي خدم فيها، متحدثا عن الكنيسة الجامعة وصخرة بطرس في الفاتيكان الذي أصبحت أثاره نورا، وزيوت قبوره أصبحت دليلا، وضريحه أصبح مزارا، فمعبدا ورواقا فحنايا وقاعات متاحف ومكتبات، هذا هو الفاتيكان في دوائره ودواونيه في متاحفه وحدائقه، خصوصا في منصاته ومحطاته في مجالسه ومجامعه في سياسته ورعايته الرسولية”، لافتا إلى أن “الفاتيكان تاريخ الماضي يعانق الحاضر يدل ويهدي الى أرجوحة المستقبل، لأن الفاتيكان ثابت على صخرة بطرس اشرئبت فيما بعد قبة عالية نحو السماء، تقول أنه مهما تراكمت على الدهر غيوم، ففي الافق علامات أزمنة تنادي بالخير للجميع والسلام للامم”.
وفي ختام كلمته شكر المطران فرحات كل من أسهم وساعد في إنجاز هذا الكتاب وبلدية جبيل لرعايتها هذا الاحتفال.
وطنية