استضافت جامعة اللاتيران الحبرية بروما ـ يوم أمس الخميس ـ مؤتمراً حول أوضاعِ المسيحيين في سهل نينوى وجهود إعادة إعمار المنطقة. نظمت المؤتمر هيئة “مساعدة الكنيسة المتألمة” وحمل عنوان “العراق؛ العودة إلى الجذور” وشهد مشاركة شخصيات كنسية ومدنية، في طليعتها أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين وبطريرك بابل للكلدان لويس ساكو فضلا عن السفير البابوي في الأردن والعراق المطران أوريتغا مارتين ورئيس هيئة مساعدة الكنيسة المتألمة الكاردينال ماورو بياشنسا. تمحورت مداخلات المؤتمرين حول “خطة مارشال” ترمي إلى إعادة بناء المدن والبلدات والقرى المهدّمة في سهل نينوى إفساحاً للمجال أمام عودة أكبر نسبة ممكنة من الأسر المسيحية المهجرة إلى ديارها والتي كانت قد نزحت في أعقاب سيطرة تنظيم داعش على المنطقة في صيف العام 2014.
ترمي الخطة إذاً إلى إعادة إعمار ثلاثة عشر ألف منزل في القرى المسيحية، في وقت أعلنت فيه الهيئة الكاثوليكية أن كلفة تنفيذ هذا المشروع تتخطى عتبة مائتين وخمسين مليون دولار أمريكي، تم جمع جزء صغير منها حتى اليوم، ما سمح بالبدء في تنفيذ بعض المشاريع على الأرض. وقد أثمرت هذه الجهود في عودة حوالي ثلاثة آلاف ومائتي عائلة مسيحية إلى قراها، أي حوالي أربعة عشر ألف شخص، وقد تم إعادة ترميم ألف ومائتين وأربعة وأربعين مبنى حتى اليوم.
وأوضح بهذا الصدد أمين عام “مساعدة الكنيسة المتألمة” فيليب أوزوريس أن الهيئة نفذت حتى اليوم مشاريع بقيمة اثنين وأربعين مليون يورو وهي تطالب الجماعة الدولية بمزيد من الالتزام من أجل مساعدة المسيحيين في العراق، لاسيما أولئك الذين تهجروا من سهل نينوى. وأوضح ـ في حديث للصحفيين على هامش المؤتمر ـ أن الأموال التي تحصل عليها الهيئة تُترجم فورا إلى مشاريع عملية وأشار إلى التواصل القائم مع الجماعة الدولية، لاسيما مع حكومات الدول العظمى، للتأكيد على أن الجهود يُمكن أن تُعطي الثمار المرجوة. ولفت أيضاً في هذا السياق إلى ضرورة بذل جهود على الصعيد السياسي من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة وهذا يتطلب تعاوناً بين المجتمع الدولي والسلطات الحاكمة بغية توفير الحماية للمسيحيين العائدين إلى سهل نينوى لأن هذا الأمر هو شرطٌ أساسي من أجل إعادة إعمار المنطقة.
من جانبه تحدث بطريرك بابل للكلدان عن أهمية وضع “خطة مارشال” على الصعيدين الاجتماعي والسياسي من أجل تحقيق الأهداف المرجوة وتساءل عن جدوى إعادة الإعمار إن لم تُحقق المصالحة لأن استمرار التوتر والمعارك سيؤدي إلى تدمير المنازل من جديد. وشدد غبطته على أهمية تغيير الذهنية ونشر ثقافة جديدة معتبراً أنه يتعين على الأشخاص أن يخرجوا من ثقافة العنف والحرب والأخذ بالثأر. وهذا يتطلب توفير تربية ملائمة للأشخاص كي يتعلموا كيفية العيش معاً بسلام واحترام وتعاون وتفاهم.
أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بارولين عبّر عن تأييد الكرسي الرسولي لـ”خطة مارشال” لصالح مسيحيي سهل نينوى وقال في مداخلة ألقاها خلال المؤتمر إن هذه المبادرة تعكس مرة جديدة القدرات العملاتية والتنظيمية التي تعبّر عن تضامن الكنيسة الجامعة. وشدد على أن هذا المشروع يرمي إلى توفير بيئة طبيعية للمسيحيين كي يتمكنوا من تخطي الخوف واليأس وينظروا بأعين الأمل والرجاء إلى المستقبل، لافتاً أيضاً إلى أهمية العمل على إعادة بناء المجتمع العراقي واستعادة التعايش المتناغم والسلمي بين مكونات المجتمع كافة.
أما رئيس هيئة مساعدة الكنيسة المتألمة الكاردينال بياشنسا فسلط الضوء على أهمية مد يد العون إلى إحدى أقدم الجماعات المسيحية في العالم والتي تشكل قدوة ومثالاً للشهادة المسيحية. وشدد على أن هذا الحضور المسيحي في المنطقة يعود إلى أيام الرسل واعتبر أنه لا يمكن القبول بزوال المجتمع المسيحي، خصوصاً وأن الجماعات المسيحية طبعت تاريخ المجتمع المحلي وحددت الخطوط العريضة للمسار التاريخي.
ومن بين المشاركين في المؤتمر السفير البابوي في الأردن والعراق المطران أورتيغا الذي أجاب على أسئلة الصحفيين بشأن الاستفتاء الشعبي حول استقلال كردستان العراق والذي جرى يوم الاثنين الفائت ويهدد بزعزعة التوازنات الهشة في العراق. تمنى سيادته ألا يؤدي هذا الأمر إلى مزيد من التوترات كي لا يتحوّل الوضع إلى مأساة بالنسبة للجميع معتبراً أنه في حال وقوع صراع مسلح آخر سيخسر الكل. وأمل الدبلوماسي الفاتيكاني أن تطغى الرغبة في التفاوض والحوار، قائلا إن المسيحيين وعلى الرغم من قلة عددهم مستعدون لتقديم إسهامهم للتوصل إلى تحقيق السلام والاستقرار في العراق كما أنهم قادرون على لعب دور في عملية المصالحة.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :جامعة اللاتيران الحبرية تستضيف مؤتمرا بشأن مساعدة المسيحيين في سهل نينوى