الجمهورية
إستياءٌ كبير يشعر به السّكان الأرمن وغير الأرمن في جبيل إثر الإعلان عن مشاريع سياحية قيد التنفيذ في العقار 642 التابع لميتم ومدرسة «عش العصافير» والمشرف المباشر على مدينة جبيل الأثرية القديمة، وذلك بعد تأجير الجزء الأكبر منه، وتحديداً الجهة المطلّة على البحر لأهداف ربحية، إلى رئيس بلدية جبيل السابق جان لوي قرداحي، ما «يضرب بعرض الحائط تاريخ طائفة بأمّها وأبيها»، على حدّ تعبير هؤلاء.
يتمتّع عقار 642 بمكانة عزيزة وراسخة في ذاكرة أبناء الطائفة الأرمنية الجماعية، نظراً إلى دوره الحيويّ إبّان المجازر التي ارتكبت بحقّ هذا الشعب، وتاريخ صموده ضد التطهير العرقي.
ويشمل هذا العقار الذي تُقدّر مساحته بحوالى 30 ألف متر مربع، وبالإضافة إلى المدرسة والميتم، كنيسة القديسة كاياني المستخدمة من المدرسة والجماعة الأرمنية التي لا تزال تقصدها لإحياء المناسبات كالزواج والمعمودية والجنازة. هذا فضلاً عن مدفنٍ تاريخي يضمّ 33 ضريحاً، ثلثها، تقريباً، لأفراد نجوا من المجازر.
أمّا الأضرحة الأخرى فهي لأفراد من الجيل الأول من اللاجئين الأيتام. على أنّ ما يجمع بين الـ33 ضريحاً، أنّ أصحابها عملوا جميعاً في الميتم أو استضافهم، الذي أسّسته السيدة ماريا جاكوبسن، وهي من إرسالية تبشيرية دنماركية، في العام 1926، بعد إقفال الميتم الأرمني الذي أسّسته جمعية أميركية عام 1920 وضمّ حوالى 1000 يتيم أرمني.
وإلى وفاة جاكوبسون في العام 1960، كان دفن هؤلاء الأشخاص في هذا المكان مرتبطاً بقرارها بدفنهم في نطاق العقار المملوك للمؤسسة التي ترعى الميتم (KMA الدنماركية)، وهو ما لم يتكرّر بعد وفاتها، وانتقال الملكية لاحقاً، في العام 1967، إلى «كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا» كهبة من الدانماركيين.
فيما عمد الجيل الأول والثاني من الأرمن، في جبيل، إلى دفن موتاهم في الجزء الجنوبي من شاطئ الرمل، وبعدها قرب مدافن سيدة مارتين في منطقة راحت تُعرف، منذ أربعينات القرن العشرين بـ»حي الأرمن» بعدما كانت تسمّى بـ»عين الياسمين»، ليُطلق عليها رسمياً في العام 2013 تسمية «شارع أرمينيا».
إلى ذلك، نشرت الصحف الأرمنية اللبنانية في بداية الأسبوع الماضي، خبراً مفاده أنّ «قداسة الكاثوليكوس ارتأى أن يقام في ذلك المكان (المبنى القديم للميتم) متحف للمجازر وكل ما يمتّ بصِلة لحياة الأيتام وتاريخهم، كشاهد حيّ على آلاف الأيتام الناجين من أهوال المجازر».
وهذا ما ينسحب على رفات الأيتام المتوفّين خلال السنوات الأولى لتأسيس الميتم، التي ستُنقل لتحفظ في «ضريح مستقل مع لوحة خاصة إلى جانب متحف المجازر والأيتام، وبالقرب من ضريح ماريا جاكوبسن»، بعدما كانت موجودة في القسم الساحلي للميتم، الذي يعاني، وفق الخبر نفسه، «حالة مزرية»، فيما يواجه الميتم «صعوبات مالية». هكذا، «استُنسِب أن يجري تأجير هذه الأقسام (الساحلية) بغية استعمالها من العائلات لأهداف اجتماعية ورياضية.
وقد استأجرها رئيس بلدية جبيل السابق جان لوي قرداحي. أمّا في ما يتعلق بأهداف الاستعمال وطريقته خلال الفترة التأجيرية، فقد وُقِّع عقد بين المستأجر وكاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا».
وفي حين يسود الغموض طبيعة المشاريع المقترح إنشاؤها على هذا العقار، والتي تقتصر الإشارة إليها بعبارة «أهداف اجتماعية ورياضية»، يعترض عدد من السكان الجبيليّين على مبدأ استغلال كلّ عقار على البحر لأن يصبح مُنتجعاً سياحياً، ما يكرّس خصخصة القطاع العام.
وإذ يكشفون عن «معلومات يجري التأكد منها حالياً، تفيد بأنّ العقار المذكور أو المنطقة البحرية المحاذية له، قد يحتضن تحته آثار مرفأ جبيل القديم»، يشدّدون على أنّ إنشاء أيّ مشروع على هذا العقار قبل التأكد من صحة هذه المعلومات، هو ضرب من الجنون وضرب للتراث والتاريخ.
مع العلم أنّ هناك بين المنطقة المحاذية لهذا العقار التاريخي ومنطقة جبيل الأثرية، إرثاً عاماً لا ينتمي فقط للأرمن أو الجبيليّين، هو تاريخ عمره 7 آلاف سنة ينتمي الى البحر المتوسط.