اذا كانت غاية البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من زيارة لثلاثة ايام للبقاع، هي تعزيز “الشركة والمحبة، والوحدة بالتنوع” على ما قال، فهو لم ينل فقط مراده، بل انجز ما لم يسبقه اليه بطريرك ماروني، عندما جاب البقاع الغربي وراشيا يومي السبت والاحد، متفقداً كل رعية من رعاياه، من عميق، الى دير طحنيش، وعانا، والمنصورة، وتل دنوب، ومركز فرسان مالطا بإدارة الراهبات في كفريا، وخربة قنافار، وعين زبدة، وصغبين، ودير عين الجوزة، وباب مارع، وعيتنيت فمشغرة، يوم السبت، ويعود ويشدّ الرحال الى راشيا البلدة، فبيت لهيا وحوش القنعبة، فعاش على ما قال”فرح اللقاء من بلدة لبلدة”، مع كل أهلها من مختلف الطوائف والأديان. وأفصح لمستقبليه: “لا تعرفون كم اكتسبت بهذا المشوار قناعة وايماناً بلبنان وبخلاصه”.
وقبل زيارته كانت هذه القرى غارقة في سكون غياب أهلها النازحين الى العاصمة، المهاجرين الى المغتربات باعداد كبيرة. عن كثب استمع البطريرك الماروني الى ما لدى شعبه من هواجس ومخاوف، ونقله في عظة القداس الاحتفالي، الذي ترأسه الاحد في كاتدرائية مار مارون في كسارة، يعاونه راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض والمطران طانيوس الخوري، فقال: “ما سمعناه في الرعايا التي زرناها، كان مطلباً واحداً، من كل الافواه مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة وموحدين دروزاً، انتخاب رئيس للجمهورية (…)”.
آلام مسيحيي الشرق، بخاصة محنتهم الأخيرة في بلدة القريتين في حمص، استمع اليها البطريرك الراعي مباشرة من متروبوليت زحلة للسريان الارثوذكس المطران بولس سفر، الذي التقاه في كنيسة السيدة للطائفة في زحلة في حضور ابناء الطائفة الذين خصّوه بلقاء حار. وردّ البطريرك الراعي مشددا العزائم: “ليست المحنة الاولى التي تمر بها الكنيسة السريانية عموما، والارثوذكسية خصوصا، مرت عبر التاريخ بمآس كبيرة جداً. هذه السنة تذكرنا بمرور 100 سنة على مجازر سيفو الشهيرة، والآن نعيشها بوجه جديد “.
البطريرك كان يكرز في كل محطاته البقاعية بمسؤولية اللبنانيين بالحفاظ على دورهم، مشيرا الى ان “العالم ينظر الى لبنان من الشرق والغرب. وامثولة لهذا الشرق، لانه في النتيجة لا حلول الا على الصيغة اللبنانية، هذا هو الميثاق الذي خلقه الشعب اللبناني، ميثاق العيش معا بالمساواة، لا دين للدولة (…)”. كذلك زار في جولته مركز منظمة فرسان مالطا في كفريا وتسلم ميدالية تقدير من المنظمة.
“فسيفساء التنوع”
في مشغرة كاد أن يكون كاملا مشهد “فسيفساء التنوع بالوحدة”، فاللقاء مع البطريرك الماروني، استضافته كنيسة القديس نيقولاوس للروم الارثوذكس واستقبله المعتمد البطريركي لأبرشية زحلة وبعلبك للروم الارثوذكس المتروبوليت باسيليوس منصور الذي كان قد اهدى الى البطريرك الراعي ايقونته التي على صدره في “عمل جبار من الحب الحقيقي ومن الوحدة الحقيقية” على ما وصفه الراعي. وقد احاطت بهما عمائم المشايخ من إمام البلدة الى وفود المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، وحركة “أمل” و”حزب الله”، الى حشد من أهالي مشغرة على تنوع طوائفهم ووجهائهم وبلديتهم ومختاريهم، وقد لاقاهم رؤساء بلديات القرى الشيعية المجاورة.
من “هذه المشغرة، التي عانت كثيراً” على ما ذكر ابنها، مدير تحرير “النهار” غسان حجار ملقيا كلمة اهل بلدته “ما زالت بايمان كبير تفتح ذراعيها، وكنائسها ومساجدها ومدرسة راهبات القلبين الاقدسين، التي تجاوز عمرها الـ 100 سنة، لانجاح تجربة العيش معاً، تلك التجربة اللبنانية الفريدة”. من هذه المشغرة ذكّره بأن: “مسيحيي الاطراف، كما مسيحيي الدول العربية، هم امانة في اعناق الكنيسة لأن من دونهم يتقلص الجسد، وتنحسر الرسالة، ويموت التعايش، فيصير لبنان جثة لا روح فيها ولا تفاعل ولا حياة”.
والمعنى نفسه كتب على لافتة فوق قوس نصر في بلدة عيتنيت: “وانتم تغادرون، يا سيدي، لا تتركوا عيتنيت”، لا تتركوا البقاع الغربي وراشيا بعد الآن.
في راشيا
وعصرا زار البطريرك والوفد المرافق دار افتاء راشيا في بلدة خربة روحا، والتقى المفتي الدكتور احمد اللدن، في حضور النائبين زياد القادري وجمال الجراح. والقى المفتي كلمة جاء فيها ان لبنان هو انسياب وذوبان من أجل مصلحة الوطن، وعيب ان نرى الشغور في رئاسة الجمهورية”. وشدد القادري باسم “تيار المستقبل” على الشركة والمحبة في البقاع، وراشيا وعلى أهمية انتخاب الرئيس ومنع الفراغ رافضا منطق الابتزاز”. ورد الراعي قائلا: “نرفض كلمة حماية، ولا تحمينا الا الدولة ورئاسة الجمهورية والجيش والقوى الامنية. ومشكلتنا هي عدم انتخاب رئيس (…)”.
وزار ساحة راشيا وسوقها الاثري وأقيم لقاء شارك فيه الوزير وائل أبو فاعور والنائب انطوان سعد وشخصيات عدة، وألقيت كلمات.
النهار