هل العالم حاضر يا رب اليوم أو غداً لاستقبالك أو يتلهى بنفسه حسب عادته ويضجر؟ ما كفر هذه الدنيا الا استلذاذ ذاتها لكفرها بما هو فوق؟ هذا هو الكفر ان نقيم الله في البعيد كي لا نشغل أنفسنا به. الكفر هو القول بأن السماء فوق فقط وان الأرض لا تحتاج إليها. هل تكون السنة جديدة بلا إله؟ دائماً كان هاجسي هو هل الإنسان طالب الله أم ما هو حول الله؟ قد يكون الدين فقط لكثير من الناس أمور الله ولكن ليس الله ذاته أي عقائد وعبادات هي صور عنه. هل الرب محبوب حقاً بذاته قبل ان تصوره العبادات والمراسم؟ هل يهمك الرب مجرداً عما حوله قبل ان تهتم بما حوله. الله والعالم، أنا والله، الله في الأديان هذا هاجس جميع الناس. ولكن الله بلا نسبة إلى أحد أو إلى شيء هل هو شغلي الشاغل؟
أعرف ان الله ينتسب ولكنه ينتسب بسبب من محبته. هل أنا أنتسب إليه ولو لم يكن محاطاً بشيء أو ما بدا معطياً لي شيئاً؟ صحيح ان الله متصل ولكنه يريدك له ولو أحسست انك لم تأخذ شيئاً. هل تراه لك كلياً وحده بما أعطاك وبما لا يعطيك؟ هل تعرفه في فقرك، في عرائك. كتب الكثير في القرن الماضي عن حوارنا معه. لا أذكر انه كتب الكثير عنه وحده بحبه الأبدي لذاته ولنا في عرائه. أعرف ان الله جعلك غاية له في محبته ولكن هل عرفته غاية لك وما كان مسعاك ان تطلب شيئاً لنفسك؟ مرة بعد المرة أطلبه لنفسه، لا تسأل شيئاً لذاتك. أشكره هذا حسن، سبحه. هذا أحسن. انس نفسك في الصلاة وكن إليه لأنه المحبة الكاملة. لا تفكر ان صليت دائماً في حاجاتك. فكر في حاجة الله إلى حبه إياك. الفلاسفة يقولون إن الله لا يحتاج. العاشقون يعرفون انه يقرب نفسه إليك. هو حر ان يربط نفسه بك ولو لم يكن بطبيعته محتاجاً إليك. الله في محبته له منطقه. هو ليس حصراً فوق. انه هنا “معنا هو الله فاعلموا أيها الأمم وانهزموا لأن الله معنا”.
هل تحس اذا جاء إليك انك بحاجة إلى شيء آخر؟ هل تعتقد حقاً انك به تعيش؟ هل تحب الله وحيداً؟ وحيدًا عن كل شيء آخر. هل تذوق ربك لحلاوته؟ المؤمنون الطيبون يقولون إنه عظيم. أنا لا أنكر عليهم حقهم بهذا القول غير اني لم أتعرف كثيراً إلى أناس يقولون إنه قابل عشقهم له. يريدون ان يتحدثوا عن حبه هو لهم أي غالباً ما ينظرون إليه في وظيفته هذه. كثيراً ما بدا لي ان الكثرة توظف الله في مصالحها، في صحتها وصحة أولادها. أنا لا أنكر ذلك ولكني لا أحب كثيراً ان تجعل الله موظفاً عندك.
المسيحية قائمة على ان الله يحبنا. طبعاً فهمها ان هذا منطلق لمحبتنا إياه. ولكن ما معنى ان نحبه؟ لست أذكر انه تكلم في الكتاب عن عشقنا له. هو قال: “من أحبني يحفظ وصاياي”. لست أذكر ان الدين انفعالات في الله. هو طاعة. وهذه تكلف. ليس لي شيء على العشق الإلهي عند المتصوفين. هذا صادق وليس شعراً وكم كنت أتمنى ان القائلين بالعشق يدعون إلى الطاعة. ذلك ان هذه هي المحك لصدق العلاقة بيننا وبين الرب. مرات كثيرة أشك في صدق العلاقة معه إن غالى القائلون بمحبته. أتمنى لو تكلموا عن طاعته. أخشى في استعمال عبارة محبتنا لله ألا نكون قد وصلنا إلى الطاعة. الحب لله كلمة غير دقيقة أحياناً في الواقع الباطني.
المحبة لله تعني لي أولاً الفقر إليه بمعنى انه الملجأ الوحيد وبوضوح أكثر اننا نحن له أكثر مما هو لنا. هذا تمييز يعرفه العاشقون. انه امتحان صعب ان نعرف اننا لله محبون. فما أيسر الكلام عن الحب. أعطى يسوع الناصري تعريفاً عن ذلك بقوله: “من أحبني يحفظ وصاياي”. العاشقون له تكلموا عن الطاعة أولاً. كانوا يخشون الكلام في العاطفة لأنها تخفي أحياناً المحبة الفاعلة.
قد يعني الإلحاح على طاعة الله انك لا تهتم بالعاطفة نحوه. هذا غير صحيح لأن الذين تكلموا عن حب الصديقين له كثر ولكنهم آثروا الحديث عن الخضوع له لأن هذا ليس فيه لبس.
ان تحب الله وحيدا تعني انك لا توظفه لصحة أولادك أو لحصولك على مال. إن وصلت إلى الإحساس بأن الرب يكفيك وان كل شيء آخر زيادة تكون قد بلغت الكمال. ولكن حذار ان تظن ان محبتك للرب تعني انفعالاً عاطفياً. هي قبل كل شيء طاعة لأنك في هذا تمتحن قلبك. ان تحب الله وحيداً تعني انك تحبه ولو ظننت انه تاركك، وتعني انك له في المرض وفي الصحة واذا افتقرت من بعد غنى وبكلام أبسط إذا نظرت إلى وجهه وليس إلى منفعتك منه.
النهار