على عكس الفضائل الأخرى، الحب ليس له حدود….فالتطرف في الاعتدال فيه خطر الإنزلاق صوب شدة أو رخاوة. و الشجاعة المبالغ فيها تهور. الإيمان المتطرف بكل ما يروى هو سذاجة، و لذلك تدعو الكنيسة الى التمييز. و حتى التطرف في الرجاء بإستبعاده واقعية وجود الشر، يؤول الى فقدان حكمة التصرف… ولكن لا يمكن أبداً أن يكون هناك الكثير من الحب!!! و في السماء لن يعود هناك من ضرورة للإيمان و سيتلاشى الرجاء لأنه سيصبح حقيقة معاشة و لكن الحب سيبقى و يتألق لأن الله محبة!!
و الله الذي هو محبة يدعونا أن نكون متطرفين في الحب، تماماً على مثاله: باذلين أنفسنا حتى من أجل الذين لا يشبهوننا لا بل من أجل أعدائنا أيضاً. ” لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل.” (متى 5: 43 – 48 ) و كم هو ملفت أن الرب يدعو من لا يتبنون هذا ” الحب المتطرف” بالفاترين” الذين سوف يتأيقهم (رؤ 16:2)!!!
فهمت الأم تريزا هذه الدعوة و تبنّت “الحب المتطرف” و كالسامري الصالح أضحت “القريب” للكل و بالأخص المهمش و الفقير و المتروك. على جلجلات كالكوتا و العالم عاشت الإيمان بالقائم … تلك الفقيرة إلا من نعمة الرب لم تقتصر دائرة إهتمامها بالأطفال والعجزة ، بل توسعت لتهتم بالمجذومين، ثم أسست جماعة “مرسلات المحبة”.اهتمت بالمنكوبين في أنحاء عديدة من العالم ولم يشغلها المال أبداً بل كانت تصر على المشاركة والمساعدة الشخصية أكثر من التبرعات. حولت جزءً من معبد كالي، آلهة الموت و الدمار في كالكوتا الهندية، إلى مركز شع منه الحب و الحياة الإلهية حيث إهتمت برعاية المصابين بالأمراض غير القابلة للشفاء…. و ضمنت لكثير من المنازعين الملجأ كي يموتوا بكرامة بدلاً من الشعور بالرفض. كثيرون كانوا صدى لصوت أحد المنازعين الذي قال لها و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة :” إنها المرة الأولى التي أشعر فيها إني إنسان!!” شاءت تريزا أن تكون قيروانية و فيرونيكية على دروب آلالام المرضى و المنازعين و الوحيدين و أفقر الفقراء فلقبت بـ”أم الفقراء”. يحكى أنها عندما توفيت و سُجى جثمانها لوداعها قبل مراسيم الدفن في كالكوتا، لم تستطع راهباتها إقفال الأبواب ليلاً، فقد أتى الفقراء من جميع الأطياف هاتفين :”إفتحوا نريد أن نودع أمنا !!”
في “الأم” تريزا قصة حب غير إعتيادي، قصة حب متطرف قلب المقاييس : جعل من أفقر الفقراء محط أنظار العالم المتعامي عن صورة المسيح في كل مهمش و فقير؛ لقد كانوا هناك حين صفق الجميع للراهبة الصغيرة عندما كانت بساريها البسيط الأبيض اللون و الذي يبلغ ثمنه دولارا واحداً، تستلم جائزة نوبل للسلام. و اليوم أيضاً علا التصفيق من جديد لهذا الحب المتطرف حين أعلنت الأم تريزا قديسة على مذابح الكنيسة جمعاء.
فليكن أمام أعيننا مثالها، علّنا ننهج سبيل “حبها المتطرف” الذي لم يميز بين هندوسي أو مسيحي أو مسلم، أبيض أو أسمر …. على مثال السيد أحبت و خدمت و غسلت أرجل الجميع دون تفرقة! رفعت الصوت لأجل الذين أخرستهم قسوة هذا العالم. نعم، على مثال “الأم تريزا” و في وجه “الحقد المتطرف” نحن بأمس الحاجة أن نكون “الحب المتطرف” لأن في الأول سبيل موت و عنف و دمار أما في الثاني حياة و إزدهار!
زينيت
الوسوم :حب متطرف… الأم تريزا