احتفل رهبان دير مار يوسف للآباء اللعازارين في مجدليا، بعيد تأسيس جمعية الآباء اللعازاريين، ومرور 400 سنة على كاريسما القديس منصور دي بول، بقداس ترأسه في كنيسة الدير الرئيس الاقليمي للآباء اللعازاريين في الشرق الاوسط الاب زياد حداد، عاونه رئيس الدير في مجدليا الاب شربل خوري والاب لابا عساف، في حضور رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، النائب العام على الابرشية المونسنيور بطرس جبور، رئيس معهد “نورث ليبانون كولدج” في الجديدة- زغرتا الاب الياس حنا، رئيس دير مار سركيس وباخوس في زغرتا الاب ابراهيم ابو راجل وآباء لعازاريين ورهبان وراهبات وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل، القى حداد عظة قال فيها: “تطلب الأمر لقاء جسديا مع الفقر المادي والروحي لكي يتحول كاهن طموح للمناصب إلى قديس، وليس أي قديس، بل الى قديس عمل بشكل كبير على تجدد الروحانية في فرنسا وأوروبا قبل المشاركة بصورة فعالة في تطوير الرسالة إلى ما وراء البحار، حتى وصلت إلى مناطقنا، حيث كان المؤمنون ينوءون تحت نير الاحتلال العثماني. وفي الواقع، منذ أربعمئة عام، طلب من منصور دو بول القيام بالوعظ في فول فيل. كان ذلك في الخامس والعشرين من كانون الثاني 1617. يومها كان الرب بانتظاره، فتح له عينيه وقلبه على البؤس البشري، هذا البؤس الذي كان يخنق بعض أعضاء الأسرة البشرية والمسيحية. بهذا اللقاء مع الفقر الروحي، أعاد منصور دو بول اكتشاف الوجه الحقيقي للمسيح، وسعى بالتالي من أجل العمل على أن تقال كلمة الله وتعاش، وان تتم مساعدة المؤمنين. وفي شاتيون، من العام نفسه، ومن خلال الكرم الذي اكتشفه في قلوب بعض المؤمنين، فكر بجمع التبرعات وتنظيمها وتوزيعها. ومن أجل تحقيق ذلك شكل مجموعات من المؤمنين الأسخياء، فولدت الجمعيات الخيرية المعروفة باسم أخويات سيدات المحبة”.
أضاف: “نظرا الى ضخامة الحاجة، كان لا بد له من أن يجد أشخاصا يتكرسون بالكامل للمهمة. فكشف الرب له إرادته من خلال لقائه بمارغريت نازو، راعية أبقار فقيرة في ضواحي باريس، التي اقترحت عليه حتى لا نقول فرضت نفسها عليه، في سبيل قيامها بخدمة الناس الأكثر عوزا بشكل مباشر. حذت حذوها فتيات أخريات، فأستدعيت الأرملة الشابة، لويز دو مارياك للمساعدة، واهتمت بتدريب أولئك الشابات المتطوعات وتنظيمهن في مجموعات صغيرة. أضحت هذه المجموعات الصغيرة جمعية نسائية ناشطة. وهذه الجمعية المؤلفة من علمانيات مع نذور سنوية نمت لتصبح أكبر جمعية نسائية داخل الكنيسة، تعرف باسم بنات المحبة. وفي غضون ذلك، كان لا بد لمنصور دو بول أن يفكر في الفقر الروحي، فأحاط نفسه بكهنة ليساعدوه على تأمين التبشير وتوزيع الأسرار في المناطق الريفية من فرنسا. هؤلاء الكهنة اجتمعوا في جمعية مع نذور بسيطة في وقت لم يكونوا كذلك، تم إرسالهم إلى خارج فرنسا من أجل إيصال بشارة الخلاص. فنراهم في مدغشقر وبلاد البربر، المعروفة حاليا بشمال أفريقيا، قبل توسيع الرسالة لتصل إلى جميع أنحاء العالم. يطلق على هذا التجمع اسم جمعية الرسالة المعروفة باسم الآباء اللعازاريين. عرف البؤس الروحي طريق قلوب المؤمنين، هذا صحيح، ولكنه كان أيضا مستشر بين رجال الدين. فتولى منصور دو بول المسألة. فأصبحت تنشئة رجال الدين مسؤولية بالنسبة إليه.كذلك اجتمع علمانيون، منذ القرن التاسع عشر، مستلهمين كاريزما منصور دو بول، لإنشاء جمعيات لخدمة الأفقر حالا. انها جمعيات مار منصور دو بول، ولويز دو مارياك، والشبيبة المريمية في عائلة مار منصور، وجمعية الأيقونة العجائبية وجمعية المرسلين العلمانيين المنصوريين”.
وتابع: “عائلة منصور دو بول كلها تتذكر العام 2017 كاريسما القديس منصور، وكلمة كاريسما أصلها يوناني، وتعني موهبة مجانية يعطيها الله لشخص محدد من أجل ان يحقق في الروح القدس، عملا يوحي إليه به. في العام 1617، في فول فيل وشاتيون تلقى القديس منصور موهبته الخاصة، التي يمكننا اختصارها بما كتبه إلى قداسة البابا: الشعب الفقير يموت من الجوع ويهلك. الاحتفال بعيد الأربعمئة عام لهذه الموهبة، يعني ان تحركنا هذه الموهبة، وأن نعتبرها بمثابة نداء موجه إلى كل واحد منا. المطلوب إذا هو أن تكون عائلة القديس منصور على السمع، وأن تفتح أعين قلبها وفطنتها لسماع صراخ الفقراء، ولتقرأ علامات عصرنا، ولتفسرها جيدا ولتتحرك بحزم نحو المستقبل”.
وأردف قائلا: “كان هناك، وهناك الآن، وسوف يكون هناك دائما فقراء بيننا. وعلاوة على ذلك، عالمنا المعولم يصنع بكثرة وباستمرار أعدادا كبيرة من اجناس وأنواع الفقر. الدعوة التي تلقاها القديس منصور دو بول ستستمر هي أيضا لتتعالى في آذاننا المصغية بمحبة وإحسان. والأمر يتعلق بنا، سواء بشكل فردي وكجماعة، لإيقاظ خيالنا، عواطفنا ومشاعرنا، وحماسنا بالمسؤولية كإنسان في مواجهة استغاثة انسان آخر. وبروح من التضامن والخلق والابتكار والبراعة من أجل إيجاد إجابة مناسبة لنداء هذه الأيام: القضاء في العالم على ذاك العار على البشرية، أي على الجوع. تماما كما فعل القديس منصور دو بول، عندما كان عليه كسر أغلال البيروقراطية، من أجل الارتجال، التنظيم والنضال حتى الإرهاق ضد هذا الوحش البشع والشرير أي ضد البؤس”.
وختم حداد: “الوفاء الإبداعي يلقى مجال تحقيقه في الالتزام وقيمته في اختبار الزمن. وبما أن الطبيعة البشرية هشة والإرادة، حتى على حريتها، عرضة للخطأ، فإنه ليس بإمكان عائلة القديس منصور ممارسة حريتها الإبداعية والوفاء بالتزامها، مع الفعل الاستنزافي للوقت وتآكله، إلا إذا جعلت ولاءها داخل جماعة. ما معنى الوفاء والولاء دون شريك؟ إن الشريك المفضل لعائلة القديس منصور يبقى ويستمر الفقير، أيقونة يسوع المسيح”.
وطنية