تحقيق بدوي حبق
وطنية – هي واحدة من البلدات الكبيرة في منطقة قضاء بشري. بلدة تاريخية لما شهدت من أحداث مهمة في القرون الغابرة، لمع إسمها في المحافل الدولية والعالمية في أكثر من ميدان وأبعد من مجال. إنها حدث الجبة.
ترتفع عن سطح البحر 1450 مترا، تعود تسميتها لأكثر من معنى وتفسير، فحسب ما يقوله كبار السن في البلدة تعني “ضيا” مدينة النور نسبة الى إبنة الملك نبوخذنصر ولكثرة النواويس الموجودة فيها والتي لا تزال شاهدةً على ذلك حتى اليوم. التسمية الثانية والمعنى الثاني “هدد” نسبة الى الإله “جوبيتر” أثناء التواصل بين بعلبك والمنطقة وطرابلس. المثنى الثالث لها هو “حدد” نسبة الى الأحداث التي شهدتها حدث الجبة التي كانت مؤلفة من عدة قرى وبلدات وجرى تقسيمها وإتخذت كل بلدة حدود لها بعد هجوم المماليك الى الجبة وإتخذت كل بلدة إسما لها.
يتراوح عدد سكانها بين مقيم ومغترب والمسجلين في دوائر النفوس 2454 نسمة. وهناك الكثير منهم في بلاد الإنتشار غير مسجلين ويبلغ عددهم حوالى 4000 نسمة وعدد المقيمين فيها حوالي 2000 نسمة. الجالية الأكبر منهم في بلاد الإغتراب في أستراليا وجنوب أفريقيا وكندا والمكسيك والبرازيل والإكوادور وأميركا وكوبا وأفريقيا الغربية.
يتألف المجلس البلدي في حدث الجبة من 12 عضوا يترأسه المحامي جورج بولس الشدراوي وفيها مختارين الشيخ سعيد الغصين والمختار دانيال الياس دياب. كنيستها الرعائية كنيسة مار دانيال أو النبي دانيال وفيها أيضا كنيسة ثانية هي كنيسة سيدة الضهر.
بلدة الحدث تعتبر البلدة الأولى لريادة السياحة والإصطياف بعدما أعيد تشجير البلدة بالكامل وبالتعاون مع الإتحاد الأوروبي تم تأمين علاج غابة الحدث – تنورين – قنات – نيحا في عهد رئيس المجلس البلدي السابق الشيخ نوفل الشدراوي والذي ساهم بمبلغ مئة ألف دولار لحمايتها من اليباس. وتسعى حاليا البلدية اليوم لبناء بحيرة للمزارعين لتأمين مياه الري الى المزروعات بالتعاون مع إتحاد بلديات المنطقة. وقد أعادت البلدية تشغيل البئر الإرتوازي بالتعاون مع صاحبه المغترب جورج وديع الغصين لدعم شبكة الري في الحدث تقوم أيضا بإنشاء حدائق عامة في البلدة.
أماكنها الأثرية عديدة ولكل واحدة منها قصة تاريخية فمنها مغارة “عاصي الحدث” التي إكتشفت فيها الموئيات الثمانية وهي موجودة في المتحف الوطني وكان يختبىء فيها 2000 شخص أثناء الهجومات على البلدة. وفيها “القلعة المحرومة” الذي وضع عليها الحرم البطريرك “حجولا” في القرن السابع عشر وانقسمت ثلاثة أقسام ولا تزال الى عصرنا الحاضر. كذلك “غابة الأرز” وهي أكبر غابة تدعى غابة “الحمي” وذلك لأن الأمير بشير الثاني كان يحتمي فيها من وقت لآخر. وفيها أيضا من آثارها المشهورة نواويس “محكرونة”.
في بلدة الحدث تعاونية زراعية يرأسها المهندس طوني دانيال دياب وهي تعنى بمساعدة المزارعين وتأمين المستلزمات الزراعية لهم وتلقى الدعم من الإتحاد الأوروبي ووزارة الزراعة وبلدية البلدة التي تمولها سنويا بحوالي 10,000 دولار أميركي.
يقول الأستاذ جورج الشدراوي أنه خلال القرن التاسع عشر كانت تصنف الأولى في لبنان بزراعة الكرمة ومنتوجاتها حيث كانت مدينة زحلة تشتري 70% من إنتاج الكرمة منها. وتشتهر كغيرها من بلدات الجبل بالتفاح والإجاص والكرز. وتعتبر غاباتها من أشهر غابات الأشجار الحرجية وبخاصة السنديان والعفص.
نهضة
الحدث بلدة تشهد نهضة ثقافية فنية وإجتماعية ورياضية وروحية وذلك من خلال توافر الجمعيات فيها. فيها جمعية موسيقى حدث الجبة (النوبة) وهي مشهورة وذائعة الصيت في الشمال وحتى في كل لبنان . تأسست عام 1894 من عائلة الشدراوي ولا تزال تلقى الدعم الشيخ نوفل الشدراوي وأخيه عيد الشدراوي ويرأسها المايسترو دانيال ميلاد الشعار. جمعية سيدات وآنسات حدث الجبة التي تتم بالمستوصف الصحي الخيري في الحدث وترأسها السيدة أورور صفير ابسيل. نادي العمل الرياضي حدث الجبة والذي يهتم بالشؤون الرياضية والإجتماعية والثقافية في البلدة ويترأسه جورج أنطون الشدراوي. أخوية قلب يسوع التي تهتم بدفن الموتى وهي أقدم جمعية تهتم بهذه الأمور في الشمال ويرأسها المربي الأستاذ دانيال صوما إيليا. كشافة مار دانيال حدث الجبة ولها مسؤولان هما دانيال طوني إيليا وآدي فادي السمعاني كما يوجد فيها طلائع وفرسان حدث الجبة يرأسها الأخ شربل طوني مراد وجوزفين دانيال الشعار. حدث الجبة بلدة المفكرين والمبدعين ورجال الأعمال ورجال الدولة ورجال أعمال الخير ورجال التاريخ.
هي بلدة قائد عسكر الأمير فخر الدين أمير منطقة الجبة أبو كرم إبن الريس الياس الذي إستشهد في طرابلس وأبى أن يتنازل عن دينه وإعتبر شهيداً ويعمل اليوم على تطويبه. هي بلدة المونسنيور بولس الشدراوي الذي كان يحل عنده ضيفا الجنرال غورو خلال زياراته الديمان والأرز. كما هي بلدة البروفسور سميا الشعار الفلكي الشهير في أميركا والتي لا تزال وكالة “الناسا” “NAZA” تعتمد على نظرياته التي وضعها في هذا المجال. هي بلدة الدكتور نايف بشارة باسيل الذي أسس مع النابغة جبران خليل جبران الجمعية التي كاننت ترعى شؤون المغتربين وهو والد “ماريانا تريزا” التي أسست مستشفى “سانت جود” لأمراض السرطان في الجامعة الأميركية تخليدا لوالدها. هي بلدة الدكتور بطرس حنا الشدراوي وهو من أشهر الأطباء في حرب 1914 وقد أسس أكبر مكتبة للأعشاب الطبيعية وقد أحرقت بظروف غامضة.
كذلك هي بلدة بطرس بك فاعور صاحب مصرف فاعور في نيويورك الذين ساعدوا على تحويل الأموال الى مساعدة أبناء البلدة خلال الحربين الأولى والثانية، هي بلدة رئيس وزراء كولومبيا خلال الستينات خوسيه غسطين الخوري صفير وسفيرة كولومبيا في لبنان جوليات خوسيه سلامة الحوري صفير السابقة. والبروفسور الياس جرجس صعب العميد السابق لجامعة “ماساتشوستس” في أميركا، كذلك هي بلدة الوزيرة والنائب لينا متلج دياب صاحبة مشروع تسهيل إعطاء الجنسية للمهاجرين.
هي بلدة الشيخ نوفل الشدراوي رئيس إتحاد بلديات الجبة سابقا وهو مؤسس الإتحاد وقد حاز على الوسام الفضي البابوي ووسام رئيس الجمهورية اللبنانية لأعماله الجمة الخيرة في خدمة الإنسان والمجتمع. وهو حاليا رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث. وهي بلدة عيد الشدراوي رئيس الجامعة اللبناية للانتشار سابقا وجورج وديع الغصين عميد المغتربين في أستراليا وله خدمات جمة في لبنان وبلاد الإنتشار.
لبلدة الحدث أثرها وطابعها الروحي والإيماني حيث يروي الباحث الأستاذ جورج الشدراوي أن الأبونا دانيال العلم الذي كان طبيب أعشاب قصده رجال العشائر في بعلبك الذي وقعت زوجته وكانت حبلى وكسرت وركها طالبا منه إذا إستطاع شفاء زوجته يقدم له أرضا ليبنني عليها أحد الأديار، وحصل ذلك وشفيت المرأة فقدم له الأرض وبني عليها دير مار يعقوب في منطقة دير الأحمر.
وللجمال موقع في بلدة الحدث فهي بلدة ملكة جمال لبنان للعام 1993 والوصيفة الأولى لملكات جمال العالم للزي الوطني سمايا نوفل الشدراوي. كذلك للبلدة طابع تاريخي بطولي فهي بلدة الجنرال فرانكو إيليا قائد الفيلق الرابع في الجيش الكندي الذي واجه “رومل” ثعلب الصحراء في الحرب العالمية الثانية. وهي بلدة جرجس الخوري بطرس العلم الذي وضع نموذج إختراع “لمبة النيون” عام 1962. إضافة الى ذلك، فبلدة الحدث هي بلدة العديد من رجال التربية والعلم والأمن والإجتماع والرياضة الذي ذاع صيتهم وشهدتهم على مساحة الوطن. شهدت بلدة الحدث ولغاية اليوم العديد من الدعوات الكهنوتية هي بلدة البطريرك الأول لوقا البنهراني الذي إستشهد في مغارة عاصي الحرس خلال هجوم المماليك على المنطقة، البطريرك يعقوب الحدثي، البطريرك شمعون بن حسان الحدثي، وسمعان بن حسان الحدثي. كذلك فالمونسنيور أنطوان الخوري حنا المسؤول عن رعية الموارنة في سوريا لغاية اليوم هو إبن بلدة الحدث في الجبة.
من أبنائها الكهنة الخوري لبيب صعب، الخوري جوزيف دانيا صفير أحد مسؤولي الموارنة في الأراضي المحتلة والقدس، الخوري فريد صعب في دولة الفاتيكان، الراهب شربل دانيال بو حيدر في فرنسا وهو مسؤول عن الشبية المارونية في أوروبا.
عاصمة الموارنة
الحدث هي عاصمة الموارنة الروحية الدينية والسياسية والعسكرية لمئات من السنين بين القرن العاشر والقرنن لثالث عشر الى حين هجوم المماليك عام 1283 وتقسيمها الى قرى وبلدات. مناخها صحي كتب عنه البروفسور “وود” “wood” في بداية القرن العشرين وهو الذي كان يقصد الحدث للاصطياف وفد إعتبرها مركز شفاء طبيعي لأمراض الحمى والصفيرة والحميرة الإنفلونزا والتيفوئيد.
إشارة إلى ما يقوله الباحث التاريخي في البلدة الذي له الباع الطويلة في البحث والدراسة أن عددا من أبناء الحدث كانوا في عداد الذين غرقت بهم باخرة “التايتانك” في 14 نيسان 1912.