يستعد شارع لبنان في قلب الاشرفية لاحتضان حديقة ستحمل اسم مطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عوده، الذي طالما احب هذه المدينة وخدم رعيتها.
في اطار خطتها لزيادة المساحات الخضراء في العاصمة، تعمد بلدية بيروت الى استملاك عقارات لانشاء حدائق، خصوصا في الاحياء ذات الطابع السكني، مما يجعلها متنفسا اجتماعيا وترفيهيا وبيئيا في خضم الاكتظاظ العمراني والسكني. من هنا كانت فكرة انشاء “حديقة المتروبوليت عوده” في شارع لبنان، في موقع محاذ تماما لكنيسة سيدة البشارة الارثوذكسية، الشهيرة بـ “كنيسة الاعراس”.
يتميز هذا الحي بسكن عائلات بيروتية عريقة، ويضم كذلك العديد من المنشآت التربوية والدينية والسياسية، واشهرها جامعة القديس يوسف، ودير مار انطونيوس الكبير، والمركز الرئيس لحزب الوطنيين الاحرار، وينتشر في المنطقة المحيطة العديد من الفنادق والمطاعم والمحال التجارية، التي تكاثرت فيها نتيجة النمو الاقتصادي والتجاري الذي سادها، من دون ان ننسى البيوت والابنية التراثية المنتشرة بين احيائها.
ابو رزق: نموذج للحدائق العامة
وفي لقاء مع ” النهار” اوضح نائب رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت المهندس نديم ابو رزق ان ” التصميم المقترح ينسجم مع النسيج العمراني والوظيفي لهذا الحي، ويعتبرها حديقة محلة “neighborhood Park”، تشكل امتدادا لساحة الكنيسة المجاورة. وهي آمنة ومقفلة، لكونها محايدة عن الشارع العام وعن حركة السير، والدخول والخروج منها واليها يخضعان لمراقبة حرس خاص”.
تقوم الحديقة على مساحة 980 مترا مربعا، وستخصص فيها اماكن للاولاد وألعابهم، واخرى للمقاعد والجلوس مغطاة ببرغولا خشبية، تتخللها مسارات داخلية حول ساحة كبيرة مغطاة بقطع من الفسيفساء ذات نقوش بيزنطية، تتوسطها شجرة بوغنفيليا كبيرة ذات الزهور البنفسجية اللون التي تعطي جمالية خاصة، والكل محاط ببركة مياه تعكس زرقة السماء. وتتوزع في ارجاء الحديقة اصناف من الازهار والشتول والاشجار والنباتات البيروتية التقليدية مثل شجر الليمون والبوصفير والياسمين وغيرها…
ويلفت ابو رزق، وهو مصمم المشروع، الى ان هذه الحديقة “تشكل نموذجا لما يجب ان تكون عليه الحدائق العامة في المدينة، من حيث التصميم الحديث والمستدام، والرؤية المستقبلية لتنمية الوعي البيئي، وتأمين البيئة النظيفة والصالحة لسكان العاصمة. ومن هنا استخدام الانظمة التقنية والتجهيزات الكهربائية والميكانيكية، وفقا لمعايير عالمية وحديثة في حقول التشغيل والصيانة والسلامة العامة، بما ينسجم مع مفهوم الابنية المستدامة والصديقة للبيئة، وخصوصا من حيث استخدام الخلايا الضوئية ( photo-voltaic cells) التي تعمل على الاشعة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية عوض استعمال المولدات الكهربائية، على سطح احدى الانشاءات”.
لايقتصر المشروع على اقامة حديقة فقط، بل سيضم مرآبا عاما للسيارات تحتها، يتألف من 6 طوابق سفلية، ويستوعب 150 سيارة، مع لحظ كافة الخدمات المطلوبة لادارة مستقلة لهذا الموقف من مكاتب وحرس، وحركة مرور افقية وعمودية سلسة وسهلة.
الخلافات المعرقلة
كل هذا المشروع الكبير والجميل والمفيد لا يزال في طور الحلم والآمال، والسبب القديم – الجديد في بلدية بيروت هو الخلاف على الصلاحيات بين المحافظ والمجلس البلدي، الذي يعرقل كل المشاريع ويعيق تنفيذها.
اطلقت فكرة انشاء هذه الحديقة منذ 9 اعوام حين اعلن المجلس البلدي لمدينة بيروت في 24/2/2005 المنفعة العامة على العقار 235 – الصيفي. وبقي الملف مجمدا حتى العام 2012 حين استملكته البلدية ” بهدف اقامة حديقة عامة، ومواقف للسيارات في الطوابق السفلية، كمرآب للبلدية، بقيمة نحو 18 مليون دولار. وفي 14/6/2012 وافق المجلس البلدي على طلب نديم ابو رزق، بصفته الشخصية كمهندس، “تقديم هبة غير مشروطة لوضع دراسة هندسية ودفتر شروط لهذا المشروع، وتسمية الحديقة على اسم المطران عوده، لأنه انسان وطني قدم الكثير لبيروت، ويستحق ان يحفظ اسمه في حديقة مدينة أحبها وخدمها على مدى عقود”، على ما يؤكده.
وفي جلسة لاحقة فوض المجلس البلدي رئيسه الدكتور بلال حمد بالتوقيع على ملف الترخيص بصفة مالك، وارسل كتابا بهذا الشأن الى المحافظ. وتم تقديم الملف الى نقابة المهندسين بحسب الاصول، لكنه بقي عالقا هناك حتى 31/12/2013 ، بانتظار دفع رسوم النقابة، والسبب هو “الاشكال على صلاحية توقيع الترخيص التي اثارها المحافظ ناصيف قالوش، وتمنّعه عن السير في متابعة الملف بدفع هذه الرسوم، رغم وجود سوابق تؤكد صلاحية توقيع رئيس البلدية بصفته مالك وموافقة المحافظ على هذا الامر، منها على سبيل المثال مشروع بيت بيروت المعروف بالبيت الاصفر”، على ما ذكرته مصادر المجلس البلدي لـ”النهار”. وبعد 7 اشهر من المماطلة، سدد المحافظ الرسوم التي بلغت 17 مليون ليرة لنقابة المهندسين، وتم تسجيل الملف بعدها في مصلحة الهندسة في بلدية بيروت لاسئناف عملية الترخيص. ولكنه عاد وتوقف من جديد، بناء على طلب المحافظ، لسبب الصلاحيات ذاته… ولا يزال مجمدا في الادراج، ينتظر انفراج العلاقات.
وفي حال انتهاء الخلافات الادارية والتنظيمية بين الجهتين، سيبادر المجلس البلدي الى اجراء استدراج عروض ومناقصة لتنفيذ المشروع، ولادارته وصيانته في المستقبل. وسيتطلب تنفيذه مدة سنتين بكلفة تبلغ 6 ملايين دولار.
والسؤال: هل يعقل ان يبقى مشروع مهم وحيوي مثل هذا، وغيره من المشاريع الانمائية والتجميلية الضرورية للمدينة، متوقفة وجامدة من اجل نزاع مزمن على الصلاحيات، وروتين اداري مخيف، وصلا الى حد المواجهات الشخصية؟ والى متى هذا الاستخفاف بأمور الناس والمواطنين؟
may.abiakl@annahar.com.lb
مي عبود ابي عقل / النهار