كانوا جَميعهُم هُناك، “يُهيّصون”، يُدندِنون بَعض أنغامٍ قبلَ بِدء الحَفل الضَخم الذي ضمّ أهم الفنانين اللبنانيّين وأكثَرهم إنتِشاراً في العالَم العربي. تَبادَلوا الأحاديث الجانبيّة، التَقَطوا عَشرات صورٍ تَعكُسُ الأجواء السَعيدة “حتى الثورة”. البَعض مِنهُم حاوَلَ بأيّة طَريقة أن يَزور “كواليسَ” مُجمّع البيال رَغبَةً في مُصادَفة المَشاهير الذين حوّلوا خَشَبة المَسرَح في عطلة نهاية الأسبوع ساحة نِضال “ثَمِلة” بفَرَحِها. فكانَ احتِفالاً بالحياة، وبالجيش، وبالوطن واستقلاله.
للسَنة الثالِثة توالياً، قَدّمَت جَمعيّة One Lebanon برِئاسَة مؤَسِستها الفنّانة تانيا قسّيس، حفلها السَنوي الذي وَحّد الكِبار ومن هم في سِن “مُطارَدة” الأحلام المُستَحيلة، وجَمَع أسماء كَبيرة في عالَم الفَن (والرياضة والإعلام) نَذكُر منهُم: وليد توفيق، معين شريف، ميشال فاضل، تانيا قسيس، زياد برجي، ألين لحود، أنطوني توما، كارلوس عازار، الياس الرحباني، فادي الخطيب، غسّان الرحباني، ملحم زين، ميشال أبو سليمان، ندى أبو فرحات، طوني عيسى، طوني أبو جودة، ستيفاني صليبا، ماريتا حلاني، سيلفيو شيحا، بيار رباط، وسام صليبا، ميرفا قاضي، جوزيف حويك، زينة دكاش، نزار فرنسيس، وباميلا الكك. حَمل الحَفل عُنوان: “تيبقى الإستقلال عيد”، وكان واضحاً، منذ الأنغام الأولى التي رافَقتها الهُتافات والتصفير والتصفيق، إن الوَطَن هو المُكرّم، وأن الهَدَف من هذه الضَخامَة هو تَخليد ذكرى الإستقلال. صحيح أن الشَباب كانوا أكثر من مَعنيّين بهذه الحفلة الموسيقيّة غير الإعتياديّة، بيد أن عشرات المُسنين ومن غادَروا سنوات الأحلام منذ “دقائق” طويلة، حَضروا الحَفل وتَفاعلوا تماماً كالشباب، فكان الرَقص والغناء وكان ذاك الإصرار على إرغام الأيّام على مواساتهم من خلال الأنغام “الحيّة”.
في عطلة نهاية الأسبوع، لم يكن الفَرَح قصّة قديمة عَرفناها في ما مَضى، بل كان “انتِفاضة” نَغميّة عَرفنا مَعناها لأكثر من ساعتين. فكانت الأغنيات الوطنيّة والحماسيّة والغربيّة، وكانت الكلمات التي تَليق في المُناسَبة، مُناسَبة إلقاء التحيّة للوطن واستقلاله. ففي عالَم يَشهَد نِزاعات مُستمرّة، كان المَشهَد في البيال وَمضة أمل محوريّة. وكأن الحياة أعطَت موافَقتها لنَحيا بلا خوف، وفَتَحَت طريقها أمام الإبداع والسَعادة. وكانت كَلمة للرئيس العماد ميشال عون ألقاها وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال الياس بو صعب الذي عَمل جاهداً لإنجاح هذا الحفل الضخم عبر تشجيع المدارس على المُشاركة، مُعتَبراً أن الحَدَث يُحاكي الوَطن في كل مناطقه. وقد عاد رَيع الحَفل مُجدداً لأطفال شُهداء الجيش اللبناني، حيث لبّى الآلاف النداء ووَضعوا “خضّاتهم” العاطفيّة وجنونهم السعيد في تَصرّف هذه القضيّة الإنسانيّة، فضلاً عن الأنغام! وكانت لحظة لا تَزال خاضِعة لسَيطَرة مُخيّلتنا، وكان هذا الكَمّ من الحُبّ الذي عشناه بلا تَردّد. وكم ضحك الكبار والصغار في سرّهم على تعالي الأيام وبعض ظلمها. وكانت فرصة للإختباء بين سُطور قصّة تَروي بعض فُصول من وطن عَشقه هؤلاء المُبدعون الذين زيّنوا خَشبَة المَسرَح بألوان إبداعهم خلال عطلة نهاية الأسبوع. مُبدعون عَبّروا أيضاً، وبأكثر من طريقة عن عِشقهم لنا، نحن الذين تَسبّبنا بإختناق مروري في الواجهة البحريّة وبعضنا وَصل قبل ساعات من حَفل لنؤكّد للوَطن بأننا نُحبّه… ولنؤكّد أيضاً في سرّنا للحياة بأنها لن تتمكّن من تَفريقنا وإن لساعتين من الوقت!
هنادي الديري
النهار