لو لم ترتفع بعض الاصوات الحريصة على حقوق المسحيين وحصصهم كشريك طبيعي في البلد، لكانت تآكلت هذه الحقوق ” على السكت” في اطار منطق الاستقواء ومن دون لا حسيب ولا رقيب، لنرى مشهد التهميش يتكرر في كل مراكز الدولة.
بعض الوزراء تراجع عن تنفيذ مناقلات في ادارات الدولة تمس بحصص الطوائف احتراما لطلب بكركي لكن البعض الاخر فضل الدفاع عن قراراته عبر اتهام الاخرين، بما معاناه التعمية على اخطائه عبر حرف انظار الرأي العام. لكن وبكافة الاحوال فان المعلومات تشير وبالارقام الى الخلل الموثق القائم في بعض ادارات الدولة، على قاعدة “تبدلت العهود والتهميش واحد”.
الفساد الاداري الذي حصل مؤخرا في وزارة المال يعود زمنه الى ال 2005 لكن بطريقة مختلفة.
ففي معلومات ليبانون ديبايت التي يرفض الوزير علي حسن خليل التداول بها، ان منذ 12 عاما كان سركيس صقر رئيسا لدائرة ضريبة الدخل ثم احيل الاخير على التقاعد. فعيّن وقتها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مكانه شخصا سنيا واستحدث دائرة جديدة في الوزارة هي دائرة كبار المكلفين للحصة المسيحية. في ال 2006 استحدث السنيورة فرعان في الدائرتين على الشكل التالي: فرع التدقيق في ضريبة الدخل ليكون على رأسه موظف من الطائفة السنية وفرع التدقيق لكبار المكلفين وعين على رأسه موظف مسيحي.
وبالتالي فقد قسمت الدائرة الى اربعة اقسام بعدما كانت واحدة. الى ان حل عهد وزيرة المال ريا الحسن في ال 2010 حيث اقالت رئيس فرع التدقيق ايلي نجيم وعينت في منصبه سنيا اسمه فيصل حجار. فصارت المعادلة على الشكل التالي: ثلاثة مراكز للطائفة السنية ومركز واحد للمسيحيين.
وعلى خطى الحسن سار وزير المال علي حسن خليل، فأقال الموظفة المسيحية الاخيرة في منصبها وعيّن مكانها شيعيا حتى خلت المناصب الاربعة من المسيحيين.
اما في وزارة الاشغال فحدّث ولا حرج عن التوازن. ففي حين اعلن وزير الاشغال غازي زعيتر ان ثمة تسعة مراكز عن الفئة الثانية، اربعة منها يشغلها مسيحيون بالاصالة، تشير معلومات ليبانون ديبايت الى ان عدد المراكز هو 14، اربعة منها للمسحيين فيما 5 للشيعة و3 للسنة و 2 للدروز.
فيما يتوزع موظفو الفئة الثالثة على الشكل التالي: من اصل 37 موظفا، 12 شيعيا 11 سنيا 2 دروز و 8 مسيحيين فيما اربعة مراكز هي بحكم الشاغرة. اما في مديرية الطرق والمباني، فمن اصل 208 موظفا، ثمة 64 موظفا مسيحيا فقط اي ما يوازي ال 25% وعلى الرغم من قرار مجلس شورى الدولة باعادة الموظفين المقالين الى وظائفهم، الا ان زعيتر رفض الاستجابة.
فيما وزارة الطاقة التي صوّب عيها زعيتر تضم عشرة رؤساء مصالح، خمسة منهم شيعة، اثنان سنة وثلاثة مسيحيون.
لكن الفضيحة الاكبر وقعت في المديرية العامة للطيران المدني، حيث مركزي الرئيس والمدير يتوزعان بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. وبما ان الرئيس مسلم فقد عيّن دانيال وهيبي مديرا، لكن وزير الاشغال اتخذ قرارا من دون العودة الى مجلس الخدمة المدنية باقالة وهيبي وعين مكانه شيعيا. وهيبي تقدم بطعن امام مجلس شورى الدولة الذي اصدر قرارا باعادته الى منصبه لكن وزير الاشغال رفض مجددا تنفيذ قرار مجلس الشورى.
وتتابع مصادر ليبانون ديبايت ان منطق الاستقواء انتقل ايضا الى الضمان الاجتماعي حيث احيل نبيل سمعان على التقاعد من مركز مدير شؤون الموظفين المخصص للروم الكاثوليك لكن الرئيس نبيه بري عين مكانه شقيقته، الموظفة اصلا في مجلس شورى الدولة.
لكن ما لم يتنّبه له الوزراء هو ان كل المناقلات التي تتم من دون العودة الى مجلس الخدمة المدنية هي غير شرعية، اذ في خلال حركة الاتصالات التي جرت مؤخرا لوضع حد لهذه التجاوزات، جرت اتصالات بالمعنيين من قبل مرجعيات في المجلس للتشديد على ضرورة ابلاغ السياسيين بأن تمرير اي مناقلة يجب ان يمر عبر مجلس الخدمة المدنية.
والى حين اعادة الامور الى نصابها قرر المعنيون الالتزام بهدنة، علّ المساعي القائمة على خط بكركي والوزارات المعنية تفضي الى تصحيح الخلل المستحدث.
لارا الهاشم
ليبانون ديبايت