مرّ عيد القدّيسين بطرس وبولس، هامتَي الرسل، منذ يومين، والحزن المرّ يواكبه. فمن الطبيعيّ، في خضم ما يجري من أحداث جسام في بلادنا، أن تغيب الاحتفالات الكبرى، وأن يكتفي المؤمنون بالصلاة سبيلاً إلى التمسّك بالرجاء الآتي إلينا بالسلام من لدن الله.
كيف لنا أن نحتفل بالعيد، نحن أبناء الكنيسة الأنطاكيّة التي بشّرها المعلّمان العظيمان بطرس وبولس، والتي كان أسقفها الأوّل، وفق التراث الأرثوذكسيّ، بطرس الصخرة الصلبة، وأنطاكية ما زالت رازحة تحت الاحتلال العثمانيّ المتجدّد الذي أفرغها ولواء الإسكندرونة من مسيحيّيها باختلاف كنائسهم وهجّرهم إلى ربوع سوريا ولبنان والعالم كلّه؟
كيف لنا أن نحتفل بالعيد، وإخوتنا أبناء الكنيسة الحلبيّة، وهم الذين كانوا يحجّون كلّ عام إلى أنطاكية ليحتفلوا بالقدّيسَين، تمنعهم الظروف القاسية من الاحتفال كالعادة؟ ذلك عدا عن أنّهم، رومًا وسريانًا، ما زالوا بلا راعٍ لأبرشيّتهم منذ أسر أسقفَيها الجليلين وغموض مصيرهما، المطرانين بولس ويوحنّا اللذين كانا يسعيان في سبيل الخير والسلام لسوريا وللسوريّين، إمّا هاجروا أو هُجّروا من ديارهم أو هم صامدون تحت القصف إلى أن يأتي الفرج حاملاً لهم غصن الزيتون.
كيف لنا أن نحتفل بالعيد، وسوريا كلّها تحترق بالحقد والكراهية والقتل العبثيّ والتهجير والتكفير؟ هذا الحقد الذي لا يفرّق بين مسلم ومسيحيّ، أو بين سنّي وعلويّ ودرزيّ وإسماعيليّ، أو بين عربيّ وكرديّ وأشوريّ، هذا الحقد الذي يحصد ضحاياه من دون تمييز دينيّ أو مذهبيّ أو عرقيّ، لا ريب في أنّه حقد يحترم التنوّع أكثر من الوحوش المفترسة، المقنّعة بأقنعة “دينيّة” أو “علمانيّة” على حدّ سواء، تلك الوحوش التي لا تمتّ إلى البشريّة إلاّ بالشكل الخارجيّ فقط.
كيف لنا أن نحتفل بالعيد، ومدننا ومناطقنا وقرانا مصيرها ومصير أبنائها على كفّ عفريت؟ الموصل ليست استثناءً، قد تصبح هي القاعدة، وعلى مثالها سيكون مصير سواها من التجمّعات المسيحيّة السكنيّة. مَن يضمن لأبناء وادي النصارى، على سبيل المثال لا الحصر، بأنّهم بعد زمن قريب سيبقون في ديارهم، وقد أبيد المسيحيّون في مدن ومناطق أعظم من هذه المنطقة الجبليّة؟ هل من الضروريّ التذكير بالقسطنطينيّة وأنطاكية وكبادوكية وإزمير وأفسس وديار بكر وماردين وأرمينيا القسم التركيّ وسواها وما جرى فيها؟
نعم، كيف لنا أن نحتفل بعيد القدّيسين الشهيدين بطرس وبولس، اللذين استشهد أوّلهما بالصلب والثاني بقطع الرأس، وبطرس السوريّ ما زال مصلوبًا معلّقًا على الخشبة، وبولس السوريّ ما زال السيف يذبحه صبحًا ومساءً؟ وهل يمكن بطرس وبولس إلاّ أن يتضامنا مع الإنسان السوريّ المضطهَد والمعذَّب والمهجّر والنازح، مع الضحية ضدّ جلاّدها؟
الاحتفال الحقيقيّ بهذا العيد يتجلّى بالتضامن مع المستضعَفين في أيّ بقعة من بقاع الدنيا كافّة، ولا سيّما في المناطق الأكثر اشتعالاً. وسوريا اليوم في أسفل دركات الجحيم، وتنتظر قيامتها الآتية بلا ريب. الإنسان السوريّ، من دون أيّ تمييز بين سوريّ وآخر، له كلّ المحبّة، ليس بالقول فقط، بل بالالتزام المعنويّ والمادّيّ. أن نحبّ، هذا هو العيد.
ليبانون فايلز