كثيرة هي التحدّيات التي تواجه العهد الجديد، وكم هي كبيرة الآمال المعقودة على الحكومة العتيدة. ففي خضمّ الاستشارات التي يجريها رئيس الحكومة المكلّف، تحضرني، كسائر اللبنانيين، آمال وأحلام عديدة لولاها لما بقينا في لبنان.
في مقدمة هذه الآمال، أن تشمل الاستشارات فئات واسعة من هيئات المجتمع المدني اللبناني، من أحزاب وهيئات اقتصاديّة ونقابات وجمعيّات ورابطات تعليميّة وطالبية. وانطلاقًا من تجربتي التربويّة، أرى أنّ التربية والتعليم ينبغي أن يكونا من أعمدة المرحلة الجديدة، إذا أردنا استشراف مستقبل زاهر للبنان واللبنانيين، ولتلامذتنا في شكل خاص. ومن المؤسف أنّنا لم نكن أوفياء لشعارٍ أطلقناه بعد انتهاء الحرب الأهليّة، وهلّلنا له: “بالتربية نبني”، فأهملنا التربية وأهلها، وتحجّرت مناهجنا، وساءت أحوال معلّمينا وتلامذتنا، وتراكمت مشكلاتنا التربويّة، وزادت هجرة شبابنا، وتراجع اقتصادنا، وتحطّمت آمال اللبنانيين.
أناشد في زمن التغيير الذي نمرّ به إلى تسليط الأضواء على صفحات مشرقة في مجال التربية والتعليم، لا سيما في مسيرة التربية المختصة ورعاية ذوي الحاجات الخاصّة، نفسيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا. فقد لاحظ اللبنانيّون منذ سنوات قليلة حركة ناشطة لرعاية هذه الفئة من تلامذتنا، وأحاطها كثيرون بالاهتمام، حتّى تجسّد هذا الجهد بإطلاق اليوم الوطنيّ للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّميّة. وأراني في هذه المسيرة البنّاءة أقدّر عاليًا جهود الوزير الياس بو صعب الذي رعى بعزم وإصرار حاجاتهم، ونظّم إدارة هذا الملف في وزارة التربية والمدارس الخاصّة والرسميّة، ووفّر الظروف الملائمة لهم في الامتحانات الرسميّة. كما شاركنا مشاركةً صادقة في المؤتمرات واللقاءات وورش العمل التي تناولت هذه المسألة التربويّة والوطنيّة. إنّ هؤلاء التلامذة لن ينسوا جهود وزيرهم الذي ساهم في تعزيز ثقتهم بالمسؤول الذي يحمل هموم مواطنيه ويتصدّى لمشكلاتهم، ويبتدع الحلول الملائمة لها.
وحرصاً على استمرار هذا الجهد التربويّ، نأمل من وزير التربية المقبل متابعة هذه المسيرة، ورفدها بالأفكار السّديدة، والوسائل الملائمة، والتّشريعات الضروريّة، صوناً لمستقبل ذوي الحاجات الخاصة الذين يشكّلون 15% من مجموع التلامذة اللبنانيين.
ولمّا كانت أوضاع ذوي الحاجات مسؤوليّة وطنيّة مشتركة، ينبغي أن يعنى بها كلّ فرد في المجتمع اللبنانيّ، وانطلاقاً من الآمال المعقودة على العهد الجديد، والحكومة العتيدة، أتقدّم ببعض التوصيات في هذا المجال، وهي ثمرة نشاط وجهد متواصلين قمنا بهما مع مجموعة من الوزارات والهيئات التربويّة والاجتماعيّة ومدارس اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، لرعاية وحماية أبنائنا ذوي الحاجات الخاصّة:
1 – إعادة النظر في القانون 220/2000 وتعديله، وتغيير إسمه من قانون للمعوّقين إلى قانون لذوي الحاجات الخاصة، والسّهر على تطبيقه. فهذا القانون هو أساسي، وإذا ما طبق سيعود بالنفع عليهم.
2 – تدريب الكوادر في المؤسسات الرسميّة لكي يكون لهم معرفة وفهم ببنود القانون وآلية تطبيقه. فما يمنع تطبيقه حتى اليوم هو عدم التعميم على المعنيين وعدم الايعاز بتطبيقه من السلطات المعنية.
3 – تأمين الدّعم الحكوميّ والتّمويل اللازم لتطبيق القانون.
4 – تعميم نصوص القانون من السلطات.
5 – إيجاد قوّة دفع سياسيّة لكي يكون القانون نافذًا.
6 – إطلاق حملة إعلاميّة طويلة الأمد حمايةً لحقوق ذوي الحاجات الخاصّة.
7 – تكريس يوم 22 نيسان من كلّ عام للاحتفال باليوم الوطنيّ للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّميّة، وتسليط الأضواء، من خلاله، على الاتفاقات الدّوليّة التي تتعلّق بذوي الحاجات الخاصّة وحقوقهم.
8 – دعم المدارس الدّامجة وتطوير مناهج الدّعم وطرائق التّدريس، وتدريب المعلّمين والكوادر المساهمة في هذه العمليّة، على أن يجري العمل ليكون هناك هيئة رسمية أو هيئة متخصصّة أجنبية (accreditation organization) مكلّفة من الدولة اللبنانية في مراقبة هذه المؤسّسات الدامجة والتأكد أنها تعمل وفق المعايير الدولية والمعاصرة.
9 – التّعاون والتنسيق الدّائم بين وزارتي التربية والشؤون الاجتماعيّة لرعاية ذوي الحاجات الخاصة في لبنان. والأفضل أن يجري تنظيم عمل هذه المؤسسات الرسمية تحت مظلّة مؤسسة أو هيئة رسميّة متخصّصة بحيث يجري التخفيف من حالة الفوضى أو الضياع في حالات الحاجات الخاصة والصعوبات التعلمية، حين تكون هنالك حاجة لدعمٍ من الدولة، إمّا بسبب الظروف المادية لأسرة الشخص المعني أو بسبب عدم توافر الدعم في المدرسة ولا فرصة التعلم في مدرسة دامجة. ووجود مثل هذه المؤسسة ضروري ليكون هنالك وعي في المجتمع عن المؤسسة التي تُعنى بكل حالة.
10 – تعاون أبناء المجتمع اللبنانيّ لاحترام ذوي الحاجات الخاصة ومساعدتهم في متابعة الدراسة والعمل في المؤسسات كافة.
وبينما نحن ننعم بأجواء من الصلح والتعاون واحترام مؤسسات الدولة، علينا أن نسعى لنتمثّل بالدول المتقدّمة – أو ربّما نتفوّق عليها – من حيث احترام حقوق الطفل والإنسان، فلا نعود نخشى على ذوي الحاجات من التهميش والعوز والفقر بسبب عدم احترام حقّهم بالدمج. هؤلاء ليسوا عالة على المجتمع وهم في حالات كثيرة قادرين على أن يتعلّموا ويكونوا مواطنين منتجين، لا بل أنّ العديد منهم يتمتّعون بطاقات وقدرات قد تقودهم الى تخصّصات في مجال العلوم والطب وغيرهما، وإلى تبوّؤ مراكز قيادية. وقد آن الأوان لشعوب الدول النامية أن تقوم من سباتها ومن الادعاءات السطحية، والانتقال الى صفوف الدول التي تحترم حاجات جميع مواطنيها وحقوقهم من دون تمييز سلبي.
الأمين العام لرابطة المدارس الإنجيليّة في لبنان
النهار