حق الاختلاف مرفوض من البدء. ان يقول آخر شيئاً آخر هو ان يثبت نفسه، ان يقر بنفسه ذاتاً، ان يقول إنه شيء آخر عنك. هذه هي العداوة. والوحدة عند الناس التطابق وليست الاقتران. الاقتران يعني ان تقول إن الآخر آخر وهو موجود بذلك. الناس يريدون أمراً وطاعة ولا يريدون وحدة في الاختلاف أي شيئاً قائماً على الإرادة. في الوحدة لا ينصهر الآخر فيك، لا يذوب. يشتاق إليك ويبقى هو إياه على حبه. اذا ذبت في الآخر تفنى الاثنينية ولا يبقى حدّ. الحب يعني الاختلاف بالضرورة وإلاّ كان وحدانية أي ذوبانًا. أنت لا تقر بالآخر الا اذا أقررت بوجودك. الحب ثنائية قطعًا وإلاّ كان عبودية.
تختلف ولا تكره بحيث لا تكون محبًا ما لم تقر باستقلال الحبيب. أنت تريد ان يحبك آخر. هذا شرط ان يراك. فاذا كان هو أنت كيف يراك؟ لذلك الهوى بمعنى الإخضاع ينافي المحبة. المحبة شرطها الثنائية وهي تتحقق في الطور الثاني أي بعد التوق. قد ذكرنا الفيلسوف الدانماركي العظيم كيركيغارد ان الله لما قال أحبب قريبك كنفسك أراد ان تحبه كنفسك. المحبة في الله ليست دائماً تلقائية. هي واجب ولذلك هي مخلِّصة. والمحبة سلطة في نفسها. لا تستعبد أحداً ولكنها أقوى من الخضوع أو الإخضاع لأنها حركة الله في القلب. واذا كان الله سيد القلب فهو يريده محباً للقلوب الأخرى لا سيداً عليها بالانفعال العاطفي.
والمحبة تتأسس في ان الآخر مثلك ومختلف. مثلك لأن الإنسان فقط يحب الإنسان ومختلف لأنك بالمحبة تعطي نفسك ولا تمتلك أي تخرج من ذاتك إلى الآخر لتكون معه وهو معك والله موحد لكما. لا وحدة الا في المشاركة أي في التباين لا في الانصهار. الانصهار كان دائماً قتلاً لآخر. من أصعب الأشياء اتفاق الإرادات لأنها تعني اتفاق العقول وهذا مستحيل وغير مطلوب إلهياً في المطلق ولكنه مطلوب في الحب.
أنت في المواجهة تلحظ الاختلاف وهذا معطى الطبيعة والتربية وكل عوامل التاريخ. هذا من الحرية والحرية تكوين إلهي فينا. والتعايش ان تقبل الاختلاف ليس مرغماً ولكن في اعتبارك ان الاختلاف يأتي من سماحة الله. لا أحد يعرف حكمة الله في هذا الأمر ولكنا نغلب اختلاف الآراء والأهواء بالمحبة. أي نتعايش في قبول الاختلاف على انه سر الله في خلقه. أنت لكونك لست خالقاً للآخر تقبله ان كنت مؤمناً على انه خليقة الله ورسول حكمته إليك وتتروض به ويقودك الاختلاف إلى حبه والحب أقوى من العقل.
الحب عند الأذكياء وجه أول من وجوهه ان تقبل بالآخر أي ألا تقتله لإيمانك ان الاختلاف بينكما من حكمة الله فلا تسعى إلى سيطرة ولكن إلى اكتشاف الله عنده من طريق الاختلاف. احترامك الحرية ليس مساواة بين الأفكار. انها تواضع أمام فكر الاخر المختلف لإيمانك بأن الله عنده ولو اختلف عنك.
احترام الحرية لأخيك ناتج في الحقيقة من إيمانك بأن الله يوزع حقيقته على من شاء ويسمح باختلاف تعابيرها ويقول بضرورة التوحد الوجداني على اختلاف العقول.
وترى الاختلاف العقلي وتحب لأن الانسان أهم من عقله ولأن حبك له يحييه وتقوم بينكما وحدة تقوم على التقاء القلوب وهذا هو البلاغة عينها. ولك مؤمنا ان تفهم حرية الله في خلقه عقولاً مختلفة وان تفهم حرية الإنسان في أحواله لعلمك ان وحدة البشر في وحدة قلوبهم لا في اتفاق آرائهم لأن القلب أعظم من الرأي ولأن الله أعظم من القلوب.
ليس للبشر عقل واحد ولن يكون ولكن يمكن ان يحبوا بعضهم بعضاً ولا يتفاهموا ذهنياً. حرية المذاهب في الدين لا تنفي وحدة الحب والأديان كلها تقبل التعدد في ما ليس هو من الجوهر.
لأن الإيمان ليس قسرياً، لأن الله لا يريد عقله ان يستعبدك تقبل الآخر أي تقبل الاختلاف وان الله يسمح به. والمؤمن يقبل ان يعايش غير المؤمن على الاختلاف لأنه يعرفه حبيب الله ولا يفرض عليه قراءته لله. المؤمن الحقيقي يقبل اختلاف قراآتنا لله ويقبل الكفر تسامحاً أو تنازلاً من الله. نحن في المسيحية نقول إنه عليك ان تدافع عن حرية الكفار. عندنا ان “من آمن يخلص ومن لا يؤمن يدان” ولكن ليس عندنا ان أهل الدين يقتلون من لا يؤمن بدينهم. نحن الأرثوذكسيين لا نقول بقتل الهراطقة (أو الكفار) وما قتلتهم كنيستنا مرة. السلطات السياسية شيء آخر وهذه لا تسأل السلطات الروحية رأيها. الهرطقة وفي العربية البدعة ليست اليوم شذوذاً سياسياً. هي فكر.
ينبغي ان نتروض على اختلاف الناس في عقولها وتالياً في دياناتها وان الله ليس إلها مستبداً يفرض عليك دينه بحد السيف. الله ليس عنده سيف ولم يفوض الى أحد حمله. انه لا يعاقب المنحرف دينياً بقتله. العقاب بسبب انحراف عن الدين ولى في الشعوب المتحضرة. المؤمن يمكن ان يكون صديقاً لكافر. هذا من المحبة أي من الله. المحبة لا تشترط عقيدة في من تحب.
ينبغي ان نخدم المنشقين والكفرة لأنهم ابناء الله شاؤوا أم أبوا. انهم ابناؤه بمشيئته ولا يسوغ لنا ان نؤثر عليهم المؤمنين بالحب. نحن مع المؤمنين بوحدة الإيمان والفكر ولكنا خادمون للناس جميعاً بعطاء القلب والعمل.
والانسانية ستبقى برج بابل إلى الأبد وأنت يريدك ربك ان تعيش بالمحبة مع من غايرك في الفكر. والله المؤمن والكافر ولدان له وفي كتبنا ان الرب يرحم الخطأة والرحمة من الرحم أي انه يضمهم إليه كأم.
اذا أردت الحرية للناس وهذا أمر إلهي لا ترغمهم على شيء. اذاً هم عبيد. أنت تحب الإنسان ولو كان على اختلاف معك. لا تحبه بالضرورة بسبب من الانسجام. أنت أمرك الله بحبه أي ان تكون في خدمته لتخلص نفسك بهذه المحبة.
الناس ليسوا قوالب ولا يرغمهم ربهم ان يتقولبوا بكلمته. يرعاهم اذا اطاعوا ويرعاهم اذا رفضوه. فقابلوه والرافضون ابناؤه على السواء. يحب محبيه ويرضى برافضيه ولهم جميعاً رعايته إلى ان يهتدوا.
ان نقبل مخالفينا في الرأي هو ان نقبل كيانهم لا ان نقبل فكرهم والهداية ممكنة وواجبة ويهتدي من يشاء ويضل من يشاء وأنت تعيش في عالم واحد مع خصومك على شيء من التلاقي أي الإقرار بحقهم في الاختلاف بلا عداء في القلوب. وقد انقضى عصر التكفير حتى الموت. لماذا يرضى الله بحق الكفار والقتلة بالحياة وأنت لا ترضى؟ من أقامك على حياة الناس؟ من قال إن الكفرة ليسوا أحبة عند الله؟ من قال إنه عليك ان تبغض الكفار؟ أنت تبغض الكفر فقط. من فوّض اليك سلطة لتقتل الكفار؟ أليس من المعيب ان يدعو إلى الحرية أهل الكفر ولا يدعو إلى الحرية المؤمنون؟
نحن المؤمنين وغير المؤمنين لن نكون واحدًا ولكن لا ينبغي ان نتقاتل. هناك تعايش مبتغى معقول ان قلنا جميعاً بالحرية. البشر ليسوا قوالب ليقولوا قولاً واحداً. ولكن لهم مع الاختلاف ان يقبل كل فريق منهم حرية الآخر بسلام.
“لا تقتل”. هذه هي الوصية الوحيدة التي عليها نعيش. المطلوب ان نتعايش مع الخطأة ومع المختلفين عنا وان نقيم مجتمعاً ليست أية عقيدة دينية شرطاً فيه فالإنسان هو المقدس ونحن هنا إلى الحقيقة في مسعى إلى ان يقول الله كلمته في اليوم الأخير.
حياة الإنسان ملك لربه. ليست لسلطة دينية أية كانت ولم يقم الله على الناس سلطاناً دينياً له ان يقتل. ليس من وكيل لله على أجساد الناس لم يفوض الله الى أحد قتل الخطأة ولا الكافرين إلى ان يجيء المسيح ثانية. للكفرة حق الوجود وحق التعليم.
النهار