“كنيسة الحدود” ليست بعيدة عن الجدار الذي يفصل بين الأراضي التي تسيطر عليها البشمركة الكردية ومعاقل داعش، وهي أرض حدودية، لم تنج من تهديدات الخلافة التي احتلت مساحات واسعة من سوريا والعراق.
البلدة تتألف بمعظمها من المسيحيين الذين “يتعاملون كل يوم مع الخوف. على الرغم من إرادتنا في البقاء هنا”. هذه هي الطريقة التي وصف بها الأب جوزيف عبد الساتر الواقع اليومي للقوش وسهل نينوى، المدينة الشهيرة التي تضم دير القديس هوراميسداس، وتقع على الجبل المطل على الوادي. ويقول الأب: “شعارنا، لا تخافوا فأنا قد تغلبت على العالم. علينا ألّا نخاف. يجب ألّا نخشى مما قد يقتل الجسد”.
ولد الأب الموراني اللبناني في عام 1957، ودرس في جامعة القديس توما الأكويني البابوية في روما. واليوم هو القاصد الرسولي إلى دير سيدة ميسي القوش، التي تنتمي للنظام الأنطوني للقديس هورميسداس الكلداني. ويشغل الأب بشكل مؤقت منصب الرئيس العام للنظام، في انتظار انتخاب زعيم جديد.
ويقول: “بدأت عام 2012 واستمر التعيين لمدة خمس سنوات”، حيث استجاب لدعوات المونسنيور ربان القس أسقف دهوك، والمونسنيور إيميل نونا رئيس أساقفة الموصل “للمشاركة في خلوات الكهنة والاجتماعات والمؤتمرات”. ويضيف: “أحاول ألّا أتحرك كثيراً، فلدي الكثير للقيام به في الدير”.
يواصل الأب جوزيف: “كنيستنا على الحدود مع داعش”، ويتابع بأن الشعار هو “لا تخافوا مما قد يقتل الجسد” لأن “إرادتنا هو بالبقاء هنا. فإن هرب الرهبان، من الذي سيبقى لحماية المؤمنين؟”.
القوش مدينة تاريخية في محافظة نينوى في كردستان العراق، تقع على بعد حوالي 50 كلم من الموصل التي تعد معقلاً للجهاديين في الشمال، وهي تشكل واحدة من المراكز الرئيسية للتقليد الآشوري-الكلداني المسيحي. على بعد 3 كم من المركز، وعلى الجبال المطلة على المدينة، يقع الدير القديم ربان هورميسداس، موطن الآباء النسطوريون منذ 1551 إلى 1804.
ومع الوقت تعرض الدير لهجمات واعتداءات، وكان رمزاً لفترة مضطربة من حياة الكنيسة المحلية، ثم حلّ محله الدير الجديد سيدة ميسي خارج المدينة. ويسكنه اليوم مجموعة من الرهبان الذين فتحوا الأبواب أمام الأيتام واللاجئين الشباب الذين غادروا دون عائلاتهم بسبب العنف الإسلامي.
القوش، كالعديد من البلدات في كردستان العراق، استقبلت عدداً كبيراً من اللاجئين. يقول الأب جوزيف: “إنها قرية مسيحية، ولا وجود للمسلمين فيها. رحبنا في مدرستنا ببعض العائلات بينما تناثر الآخرون في جميع أنحاء المدينة. هناك 13 عائلة من اللاجئين ومئات من الناس في كل الأنحاء”.
كما نفتح أبواب كنيسة الدير. في الداخل نجد “مشهد المهد الأصلي. وموضوع على خارطة العراق مع الألوان الأسود والأحمر والأبيض، والمسيح من الشرق، فهو نور العالم، الذي ينير ويقدّس الدم (اللون الأحمر في العلم) الذي يبذله شهداؤنا”.
في الواقع، فإن المساحة البارزة لمشهد المهد قد أعطيت لصور لشهيدين كبيرين من التاريخ المسيحي الحديث في العراق وهما الأب رغيد غاني الذي قتل على أيدي المتطرفين الإسلاميين عام 2007، والمونسنيور بول فرج راحو الذي لقي حتفه خلال عملية اختطاف في شهر آذار في العام الذي يليه.
ويقول الأب: “هنا في العراق، التبشير الجديد يعني أن تكون مستعداً للاستشهاد” حتى وإن كان الهدف الأساسي هو “حث المسيحيين للبقاء هنا ووقف موجة الهجرة ووقف نزيف كنيستنا” يبدو أن هذا لن ينتهي. لمواجهة هذا “علينا التوصل إلى إستراتيجية” و “على الكنيسة التعامل مع هذا”.
وقبل الوداع، أشار الأب جوزيف إلى الصليب الكبير الذي شيده مسيحيي المدينة على سفوح الجبل. إنه الرمز الذي يتحدث عن شجاعة وتصميم هذا المجتمع في مواجهة العقبات والتهديدات والتغلب عليها.
ما تمارسه داعش من اضطهاد، يشبه ما كان في الماضي. وأضاف: “يمكننا الاختيار بين المنطق البشري والنعمة الإلهية. فوفقاً للمنطق البشري، علينا أن نغادر. لكن إن كنا نؤمن بالنعمة الإلهية، علينا أن نثق بكلمة الله. أحبَّنا يسوع حتى النهاية على الصليب، ونحن هنا لأجل هذا، للحفاظ على حياة دماء الشهداء المسيحيين في الماضي، والتي روت هذه الأرض”.
aletia