شبيبة حلب تصرخ صرخة رجاء مع دون بوسكو لم تمنع ظروف الحرب والحصار شبيبة حلب المسيحية من الاحتفال بقديس الشباب يوحنا بوسكو، فالرغبة بالحياة وحبّ اللقاء كانا أقوى من الشعور بالخوف والبقاء في البيت. تهافتت الشبيبة المسيحية إلى مركز جورج ومتيلد سالم للآباء السالزيان للمشاركة باللقاء الذي حمل عنوان: ” تكونون لي شهوداً”. وذلك بمناسبة انطلاق الاحتفالات باليوبيل المئوي الثاني لولادة القديس يوحنا بوسكو، المعروف ب ” دون بوسكو”.
أراد السالزيان وبالتعاون مع المنظمات الكنسية والكهنة الشباب بإقامة هذا اللقاء ليكون بمثابة شرارة حبٍّ تنتشر طيلة هذا العام المخصص لليوبيل. بكل صراحة أقولها: حساباتنا خانتنا …! لماذا ؟ لأنّنا كنّا نقول بأنّ الشبيبة سافرت ولم يبق في حلب الكثير منهم فلذلك ممكن ألّا يأتي العدد الكافي للمشاركة في هذا اللقاء .!
نعم كانت حساباتنا خاطئة، فقد توافد الشباب إلى الكنيسة بغزارة كبيرة حتى وصل عددهم ال 900 شاب وشابة، أتوا من جميع الكنائس والمنظمات الدينية، أتوا وكلّهم شوق للتعبير عن إيمانهم واللقاء مع اخوتهم. امتدّ اللقاء على يومَين، يوم الخميس 18/9 بعد الظهر ( الساعة 4 وحتى الساعة9)، بعدها مبيت لعدد محدود من الشبيبة (تقريبا 100)، ويوم الجمعة 19/9 صباحاً ( من الساعة 9 وحتى الساعة 4,30).
عند دخولهم، كان في الاستقبال عدد من الشباب حيث سلّموهم حقيبة اللقاء والتي كانت تحتوي على امور ستُستخدَم لاحقاً في اللقاء ( كرّاس اللقاء، أعلام دون بوسكو، فولارات مكتوب عليها ” تكونون لي شهوداً”، شموع، فلم دون بوسكو، كتاب لدون بوسكو بعنوان ” اكتب اليكم ايها الشباب”، صلبان خشب، انوف المهرّجين، نجوم الليل، ورقة وقلم، اسوارة مكتوب عليها شعار دون بوسكو “أعطني النفوس وخذ الباقي”، قنينة ماء ).
وعند وصولهم الى امام الكنيسة كان بانتظارهم مجموعة من الشبّان والشابات حيث وضعوا على رؤوسهم قبعة كرتونية ترمز إلى القبعة التي كان يضعها دون بوسكو على رأسه. عند دخول الشبيبة كان قديس الشباب يستقبلهم، بكلماته الصادقة فيقول لهم: “يكفي أنّكم شبيبة، لكي احبّكم كثيراً … “.
أدهشنا الاب طوني فريج بروعة الديكور حيث صورة يسوع الراعي الصالح والذي يحمل الخروف على منكبيه، وإلى جانبه القديس يوحنا بوسكو الذي يستمدّ سلطته من معلّمه يسوع ويتابع رسالته بين الشباب كراعي صالح. فرسالة يسوع تستمرّ مع دون بوسكو ومع كل القديسين ومع كل واحد منّا. بدأ اللقاء بلفتة جميلة من المهرّجين اللذين أدهشوا الجميع وأضفوا على اللقاء روح الفرح والفكاهة التربوية الجميلة.
بعدها استعدّ الجميع لصلاة الافتتاح مع الاب طوني فريج واستقبال صليب الشبيبة الذي سيرافق شبيبتنا طيلة هذا العام. بعد الصلاة رحّب الأب سيمون السالزياني بالجميع، بالكهنة والرهبان والراهبات والشبيبة، وتمنّى للجميع لقاءً مثمراً مليئاً بالفرح والشهادة الحقيقيّة. بعدها بدأ الاخ جيمي كورجي بإعطاء بعض المعلومات عن برنامج اللقاء وفقراته. كان اللقاء غني بفقراته المتنوّعة والكثيرة، واللمحات التي تمّ عرضها عن حياة دون بوسكو كان لها الاثر الكبير في معرفة أكبر لهذا الشخص ولعلاقته مع الله والشبيبة، فالمونتاج الأول ركّز على دعوته وحياته كتلميذ للمسيح، أمّا الثاني على رسالته بين الشبيبة وشهادة حياته.
وكما يقول دون بوسكو ” بيت سالزياني بلا موسيقا هو تماماً كالجسد بلا روح”، لذلك كان حضور جوقة القديسة تيريز بقيادة الأخ شادي نجار حضوراً فاعلاً حيث أعطى الروح للقاء من خلال التراتيل الهادئة والتأملية وبنفس الوقت من خلال التراتيل الحماسية والشبابية، فكانت الموسيقا مع التسبيح والتراتيل نعمة حقيقية في تجمّعنا الشبابي. عنوان اللقاء كان يتكلّم عن الشهادة، ولكن لا نستطيع أن نكون شهوداً للرب إلّا إذا كنّا قبلاً تلاميذ.
بدأ الأب فادي نجار الموضوع الأوّل متكلّماً عن التحديات التي تواجه تلميذ المسيح خاصة في هذه الازمة، وأشار إلى ثلاثة منهم: الأول هو التلميذ والبرمجة السلبية التي تجعلنا نعيش لا كما يريد الله أو كما نريد نحن بل كما يريد واقع الحرب والخوف والتقاليد البالية والعادات العقيمة الموروثة. الثاني هو التلميذ والمحور الايماني، الإيمان المرتاح الذي يكتفي بما لديه دون السعي الحثيث إلى البحث والتعمّق في العلاقة مع الله. الثالث هو التلميذ والمحور الاجتماعي ( الآخر)، حيث لا يمكن ان ابني ايماني بالله دون أن يمرّ بالقريب، بالآخر.
بعد كل محور كان الأب سيمون يسلّط الضوء على حياة دون بوسكو وكيفية عيشه لهذه الصعوبات. أما موضوع اليوم الثاني كان تكملة لليوم الأوّل وكان بعنوان: “دون بوسكو رسول المسيح”. وقد أوضح الاب سيمون مدى أهمية الشهادة في أيّامنا الحاضرة، وكيف أن التلميذ الحقيقي لا بدّ له أن يكون شاهداً ورسولاً. وعلّق على نص دعوة اندراوس (يو 1/ 29-42) الذي انطلق نحو أخيه بطرس وصرخ قائلاً ” قد وجدنا المسيح !” هذه الصرخة ، صرخة الايمان كانت نتيجة شهادة يوحنا المعمدان ومسيرة الاتباع والخبرة الشخصية التي عاشها اندراوس مع يسوع في ذلك اليوم.
وقد أشار الاب يسيمون أيضاً إلى أنّ المؤمن يمرّ بأربعة مراحل كما يوضّح النص الانجيلي: 1- شخص يشهد امامي للمسيح ويعلن عنه (المعمدان/ أهلي) 2- أبدأ باتّباع المسيح – مسيرة/ تلمذة 3- أعيش خبرة شخصية مع الرب 4- أعلن ايماني وابشّر الاخرين بيسوع. بالإضافة الى المواضيع، كان اللقاء غنيّ بالمشاهد الدينية الهادفة من حياة دون بوسكو وبعض اللوحات الكوميدية الفكاهية.
بحضور يسوع في القربان المقدس دخل الجميع في جو الصلاة والسجود واختبر الكثير من الشبيبة رحمة الله من خلال سر التوبة والاعتراف. بعد ذلك وبمشاعر من الفرح والغبطة استقبل المشاركون ذخائر القديس يوحنا بوسكو بالتراتيل، حيث جالت ذخائر القديس بين الشبيبة التي كانت تحمل الشموع اكراماً لهذا القديس.
بعد هذا الاستقبال الهادئ أرادت الشبيبة أن تعبّر عن فرحها وعنفوانها من خلال احتفال الفرح الذي أحياه الشماس الانجيلي بيير جبلويان مع مجموعة من الشبيبة. تضمّن الاحتفال ألعاب، رقصات، خبرات، اغاني وتراتيل … شارف اليوم الأوّل على الانتهاء، ولكنّ الشبيبة لازالت متحمّسة ونشيطة وكأنّها لا تريد المغادرة، لأنّها ترغب بالاستمرار في جوٍّ الفرح والهتاف هذا. ترأس الذبيحة الالهية الأب جورج فتال وشاركه لفيف من الكهنة، وقد ركّز المحتفل في عظته على روح الفرح الذي كان يميّز دون بوسكو وتلاميذه من بعده، وروح الفرح هذا نابع من فرح الانتصار بقيامة الرب يسوع.
أعتقد بأنّ القديس يوحنا بوسكو كان في قمة السعادة وهو يشاهد الشبيبة تحتفل به رغم شبح الحرب والبطالة والآلام والصعوبات، وانّي على يقين بأنّ شفاعة دون بوسكو ستكون فاعلة جداً لكلّ مَن شارك في هذا اللقاء ولكلّ من يطلبها.
شكراً للرب الذي يملأ قلوبنا بالرجاء الحيّ، ذلك الرجاء الذي يجعلنا نتحدّى الظروف ونخطو نحو الأمام خطوات ثقة وتفاؤل، ويمنح شبيبتنا الحبيبة الصبر والثبات في الإيمان ليستطيعوا السير في طرقات الحياة وكلّهم ثقة بحضور الرب معهم. ” فرحي وحياتي أن أكون بين الشباب “، بالتأكيد كنت في غاية السعادة يا دون بوسكو حين كنت بيننا في اللقاء … ولا زلت معنا …
وفي النهاية أنقل لكم كلمات أحد الشبان: (شكرا على تعبكم ونشاطكم..رديتولنا الروح ونسيتونا هموم الدنيا بهاليومين..عن جد ربي يقويكم.)
) الأب سيمون زكريان السالزياني |
زينيت