استضاف منتدى الأربعاء في “مؤسسة الإمام الحكيم” رئيس طائفة الأقباط الأرثوذكسية في لبنان الأب رويس الأورشليمي في لقاء حواري، تحت عنوان “الأقباط في المشرق: الدور، الرؤية والمشروع”، في حضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية.
قدم اللقاء وأداره المحامي بلال الحسيني. ثم تحدث بعدها الأورشليمي الذي قدم في بداية كلمته تعريفا عن الأقباط ومن أين اشتقت كلمة القبط، فأوضح أن “الأقباط هم أبناء مصرايم أبن حام أبن نوح، سكان الأرض التي تتعبد للأله هيكوبتاح، وبحذف الحرفين الأولين والأخيرين تظهر كلمة كوبت والتي تطورت إلى كلمة قبط، ومنه أخذ الأغريق يطلقون على مصر إيجبت، وقد أطلق العرب على مصر دار القبط”.
وأشار الى أن “الأقباط هم سكان الأرض الأصليين وسلالة الفراعنة حيث إن اللغة القبطية قد تطورت من اللغة الهيروغليفية والتي هي لغة الفراعنة”، لافتا الى أن “للأقباط وصية من الرسول الكريم اذ قال: أوصيكم بأقباط مصر خيرا لأن لكم فيهم صهرا ونسبا”.
أما عن دور الأقباط في التاريخ، قال الأورشليمي: “ان المصريين كانوا قد استقبلوا أبو الآباء النبي إبراهيم، حيث تزوج بهاجر هناك، ومن بعده يوسف والذي أصبح عزيزا – أي وزيرا – في مصر، كما استقبلوا النبي يعقوب حين كان جوع في الأرض، وفي مصر تربى النبي موسى. وقد عرف المصريين ديانة التوحيد قبل اليهودية والمسيحية والإسلام. ففي جبل سيناء كلم الله موسى وأعطاه الوصايا العشر، وهربت العائلة المقدسة إلى مصر هربا من هيردوس في فلسطين وعاشوا في مصر ما يقارب 4 سنوات. ثم بشر في مصر مرقس الرسول وانتشرت المسيحية. وفي مطلع القرن السابع دخل العرب مصر دون حرب بعد مساومة المقوقس”.
اضاف: “لقد قاوم الأقباط الافرنجة (الصليبيين) حتى أنهم اشتركوا مع صلاح الدين الأيوبي ضد الافرنجة، وكان من قادة جيوش صلاح الدين القائد عيسى العوام، وهو الذي فتح عكا وكان قبطيا. وتخليدا لهذه الذكرى أطلق الأقباط على أحد أديرتنا في القدس دير السلطان وكان اسمه دير قبة مغارة الصليب. وقاوم الأقباط أيضا الحملات الفرنسية والانجليزية على مصر”.
وعن رؤية الأقباط لمصر والوطن العربي، شدد على “الروح الوطنية في الرؤية التي يحملها الأقباط، وذلك من خلال رفضهم للفرنسيين والانجليز لقناعتهم بأن كل دخيل هو مستعمر، لم يأت إلا طمعا في خيرات البلاد حتى لو أتى باسم الدين، فما الشعارات الدينية بالنسبة لهم إلا ستار يختبئ وراءه لصوص لهم أهداف أخرى، ولا يهمهم حال الناس بل مصالحهم فقط، فلا يعرفون الديمقراطية ويتكلمون عنها ويتاجرون بها مصدرين لنا بضاعاتهم الفاسدة في علب الحرية الزائفة”.
وقال: “رفض الأقباط التطبيع مع إسرائيل، فاختلفوا مع الرئيس الراحل أنور السادات برفض البابا شنودة لزيارة الأقباط للقدس وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي، فدفع الأقباط الثمن في كلا الدولتين، ففي مصر قام الرئيس السادات بوضع الإقامة الجبرية لقداسة البابا شنودة الثالث، كما قام بحبس المطارنة والكهنة والأرخنة الأقباط في السجون أيضا. أما في إسرائيل فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باحتلال دير السلطان، وما زال تحت الاحتلال حتى اليوم عقابا لرفض الأقباط التطبيع، إلى جانب التضييق على الطائفة في إعادة ترميم وتعمير الأديرة هناك”.
أضاف الأورشليمي: “ان المشاريع التي يخطط لها في بلاد المشرق كبيرة، فمنها التكفيري ومنها التهجيري ومنها التقسيمي. كل هذه المشاريع برعاية العدو الإسرائيلي وإن كان من ينفذ هذه المشاريع ليس هذا العدو لكنه يستخدم أياد أخرى رخيصة الكلفة وأحيانا دون أدنى كلفة”.
ودعا إلى التصدي لهذه المشاريع من خلال: “أولا، الثبات في أوطاننا وتعليم أبنائنا أن هذه الأرض قد رويت بدماء أجدادانا وقديسينا وأبرارنا، وترابها يفوح بعبق رائحتهم الزكية. ولا يمكن أن نفرط في تراب أرض أجدادنا مهما كانت التحديات.
ثانيا، أخذ العبرة من الماضي، فجميع الامبراطوريات التي احتلت بلادنا قد مضت إلى غير رجعة، وكل الغزاة قد عادوا إلى بلادهم خائبين وكذلك فإن الجماعات التكفيرية ليس لها مكان وسطنا، طالما أننا متمسكين بوحدتنا الوطنية وعيشنا المشترك، وكما قال البابا شنودة إن مصر ليست وطنا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا.
ثالثا، إن لقاءاتنا الأخوية لهي السبيل لإفشال كل مخططات الفتنة وكشف وجهها القبيح وتعرية كل من يثير هذه الفتن، وتعزيز روح الأخوة من خلال مؤسسات دينية مشتركة مثل بيت العائلة الذي يضم الأزهر والكنيسة.
رابعا، معرفة العدو الأساسي وتوجيه البوصلة صوبه، فهو الذي يريد إضعاف جيشنا الوطني وتقسيم بلادنا لإضعافنا ومن ثم الانقضاض علينا تحت شعار الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وما شابه ذلك. ولذلك، قال البابا تواضروس الثاني حين حرق الأخوان المسلمين كنائسنا في مصر نريد وطنا بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”.
وقد تلا المحاضرة حوار بين الأب الأورشليمي والحضور.
وطنية