مروى الخوري
إسطنبول المدينة التي لا تنام ولا تتعب من زوارها، فهي تقع على مضيق “البوسفور” وتطوق المرفأ الطبيعي المعروف باسم “القرن الذهبي” الواقع في شمال غربي تركيا.
عوامل عديدة جعلت من إسطنبول محط أنظار السياح في العالم، موقعها اللافت والمكانة التي إحتلتها على مرّ التاريخ بالإضافة إلى إحتوائها قصور السلطنة العثمانية القديمة وعدد كبير من المراكز الدينية الآثارية، أمام عظمة هذا التاريخ والإرث الثقافي، يغيب عن السائح أماكن أكثر من رائعة إبتلعتها أرض إسطنبول بمحاولة فاشلة لحجبها عن الزوار. من هذه الأماكن نذكر “حوض الكاتدرائية” أو ما يعرف بـ”القصر المغمور”.
هو الخزان الأرضي الأكبر من بين مئات الصهاريج القديمة التي تقع تحت مدينة إسطنبول أي “القسطنطينية” سابقاً.
تم بناء هذه الكاتدرائية في القرن السادس في عهد الإمبراطور البيزنطي “جستنيان الأول”، وهي تقع في منطقة “السلطان أحمد” على بعد 150م إلى الجنوب الغربي من “آيا صوفيا”.
استمد هذا الهيكل الجوفي إسمه من ساحة عامة كبيرة كانت تقع في الهضبة الأولى في القسطنطينية، وهي “بازيليكا ستوا”، التي شيدت تحت الأرض بالأصل قبل أن يتم تحويلها إلى خزان.
وقد بنيت بين القرنين الثالث و الرابع خلال العصر الروماني المبكر كمركز تجاري وقانوني وفني. وقد أعيد بناؤها بعد اندلاع حريق في 476م. وقد أشارت النصوص القديمة إلى أن “البازيليكا” قد احتوت على الحدائق، وكانت الأعمدة تحيط بها، كما كانت موجهة نحو “آيا صوفيا”.
وفقا للمؤرخين القدماء، فقد بنى الإمبراطور قسطنطين الهيكل الذي أعيد بناؤه في وقت لاحق وتم توسيعه من قبل الإمبراطور جستنيان بعد أعمال شغب “نيكا” عام 532م التي دمرت المدينة.
كان الخزان الأرضي هذا يحوي نظام تنقية للمياه للقصر الكبير في القسطنطينية وغيره من المباني الأخرى الواقعة على التلة الأولى. واستمر في توفير المياه لقصر “توبكابي” بعد العهد العثماني عام 1453م وحتى العصر الحديث.
وفي جولة داخل “القصر المغمور” وعند النزول على السلالم الحجرية المكونة من 52 خطوة يبهر السائح مشهد يجمع 336 من الأعمدة الرخامية طول كل واحد منها 9 أمتار وتفصل بينها مسافة 4 أمتار و80 سنتي متراً وتشكل هذه الأعمدة 12 صفاً وكل صف يضم 24 عاموداً، والأقواس التي تلتقي مع الأعمدة صممت لتخفيف ثقل سقف “الحوض”.
كما يلفت السائح أن عدد من هذه الأعمدة جمع من أماكن قديمة، كما إستخدمت فيها نوعيات مختلفة من الرخام، بعض هذه الأعمدة مكون من قطعتين والبعض الأخر عبارة عن قطعة واحدة، أما رؤوس الأعمدة مختلفة من منطقة إلى آخرى ولها خصائص مختلفة 89 من هذه الرؤوس صممت بأسلوب يعرف بـ”الكورنيش” والقسم الآخر صمم بأسلوب يعرف بـ”الدون”.
هذا “الحوض” التي تبلغ مساحته 9 ألاف و800 متر مربع قادر على تخزين ما يقارب 10 آلاف طن من المياه.
وخلال التدقيق بأعمدة “الحوض” يجد السائح عامود عليه نقش من عين طاووس، الجذع المتدلي، زين على شكل ضلوع ويعرف بالعامود “صاحب الدمعة”، وهو يشبه المخلفات الأثرية من أعمدة أقواس النصر في ميدان “بايزيد” التي عرفت بالعهد البيزنطي بإسم “قارون تاوري” وتعود لعهد الإمبراطور البيزنطي ” ثيودوسيوس”
كما يجد السائح في “الحوض” عامودين قاعدتهما على شكل “رأس إمرأة ملفوف بالثعابين” وهي من التحف الآثرية لنحاتي الهياكل في العهد الرومي.
إن هذه الرؤوس التي تشد إنتباه الزائر إلى هذا الحوض لا يعرف من أي هيكل قد أخذتا لتوضعا هنا، ويعتقد العديد من الباحثين أنها جلبت لإستخدامها كقاعدة للعامود العادية.
وبحسب الأسطورة فإن “الرأس الملففوفة بالثعابين” تعرف في “الميثولوجيا الإغريقية” بـ”ميدوسا” وهي تمثل وأختيها أشنع ما ذكر في الأساصير اليونانية من مخلوقات ويسمونهم الـ”جورجونز” بمعنى المرعبات.
هذا “الحوض” فتح كمتحف أمام الزوار وهو يستضيف مهرجانات محلية وعالمية ويعتبر أحد أهم معالم إسطنبول التي تستحق الزيارة لنتقل زائرها إلى عالم من الخيال…
ليبانون فايلز