في رواية “الأحمق” لدوستويفسكي هناك صفحة جميلة جدًا بشأن قيمة الزمان. ففي الجزء الأول من الرواية يتحدث الأمير ميشكن عن رجل حُكم عليه بالإعدام بسبب تهمة سياسية. وبعد أن اقتيد إلى موضع تنفيذ الحكم، تُلي أمام نص الحكم وبعد نحو 20 دقيقة، قبل أن يتم تنفيذ الحكم بثوانٍ قليلة، وصل الصفح وتم إلغاء الحكم. يُخبر دوستويفسكي ما مر في ذهن السجين في تلك الدقائق القليلة. يجدر الذكر أن القصة التي يتلوها دوستويفسكي هي بالواقع قصة حقيقية والشخص الذي عاشها هو دوستويفسكي عينه عندما كان شابًا وتلقى حكمًا بالاعدام ولكنه نال العفو العام، مع من شارك معه بالمغامرة السياسية، قبل ثوانٍ من تنفيذ الحكم. يكتب دوستويفسكي:
“بقي لديه خمس دقائق فقط ليعيش. وقال أن هذه الدقائق الخمس بدت له لامتناهية، بدت لها وكأنها كنز لا يفنى؛ شعر وكأنه كان سيعيش في تلك الدقائق الخمس حيوات كثيرة، وأنه لم يكن لائقًا أن يفكر باللحظة الأخيرة، لهذا أخذ القرارات التالية: قدّر الوقت اللازم لكي يودع كل أصدقائه، وكرس لهذا الأمر دقيقتين؛ ثم خصص دقيقتين لذاته، وفي الدقيقة الأخيرة قرر أن ينظر حوله للمرة الأخيرة… وصرح أن ما من فكرة كانت أثقل عليه من هذه: ’لو لم أكن مزمعًا لأن أموت! لو كان بإمكاني أن أعود أدراجي في حياتي، يا للوقت اللامتناهي! وكل ذلك الوقت كان خاصتي. لكنت حولت كل دقيقة إلى قرنٍ كامل، ولم أكن لأضيع ولا حتى ثانية واحدة، لكنت حافظت على كل دقيقة دون أن أضيّع واحدة منها!”.
اليوم لديك أكثر من خمس دقائق. لديك بالتحديد، مثلك مثلي ومثل كل إنسان 1440 دقيقة، بمعنى آخر لدي ولديك 288 مرة الوقت الذي كان متثنيًا لذلك المعدوم إلى الإعدام، لا تعدم وقتك، بل – كما قلنا في القسم السابق من هذه المقالة – اجمع فتات الوقت ولا تضيع منه شيئًا فقيمة الوقت من قيمة الله!
(يتبع)