إلى حيثُ لا رجعة ؟!
ليس الإنسان ، قطعة حلوة (شوكولاتة ) ، بحيث يمكنُ أن نقسمها إلى قطعتين أو ثلاثة ، كلّ قطعة ٍ تذهبُ إلى جهة .. الإنسانُ كائنٌ حيّ (جسد – نفس – روح ، عواطف وإنفعالات ومشاعر وأحاسيس ، والأكثر : العقل والمعنى ! ). هل يفقدُ الإنسان هذا ، بعد الموت ، علاقته بالتاريخ البشريّ، وبالعالم الإنسانيّ وبالكون ؟! نستطيعُ أن نقول : إن الإنسان ليسَ لعبة ، بالموت ، تنتهي وتزولُ .. وبالموت لا يفقدُ الإنسان حقيقته وتنفصلُ النفس عن الجسد ( كإنفصال قطعة شوكولاتة إلى نصفين ، فلا يمكنُ تصوّر الأمر هكذا أبدًا ، بهذه الطريقة الهزليّة الصبيانيّة السخيفة ! .. قد يكونُ المقصد بإنفصال النفس عن الجسد ، بمعنى (أنّ الإنسان هذا الكائن البيولوجيّ العضويّ ، بالموت يفقدُ الإتصال والإحساس بالعالم الخارجيّ ، بحيث لا يمكنه أن يتّصل – عضويا – بالآخرين وبالتاريخ .
لكن ، لا نقدرُ أن نصرّح ونقول : الإنسان إنتهى من الكون وبتأثيره على الآخرين ! وهذا واقع حيّ نعيشهُ في حياتنا ، ويمكنُ – علميّا – نراهُ في الأحلام ! . نرى الكثيرينَ اليوم يرونَ أمواتهم في ” الأحلام ” ، والحُلم ليس أمرًا إعتباطيّا أبدًا ، فهو أمرٌ محيّر جدّا ، كيف يمكنني أنا الآن مُلقى في السرير نائمٌ – وكما يقال ( أنّ النائم يُشبه الميّت !) ، كيف يمكن أن يكونَ جسدي مثبّت كالمسمار على السرير ، وأرى في حُلمي أمورًا كثيرة ، مؤكّد أنكم تعرفون بإن الحُلم ( رغبة مكبوتة تظهر في اللاوعي كما يقول العالم فرويد وهذا أمرًا علميّا وليس إيمانيا ! )، الرغبات والأفكار ، كأنها في ” فترة النوم” ، تكونُ هائمة ً في مجال اللاوعي الإنسانيّ .. لكن لا نقدر على أن نعطي لها تفسيرات ٍ مقبولة ، إنها فوق مستوى عقلنا ، والغريبْ أننا نجدُ إمّا أحياءنا أو أمواتنا ، أو أمورًا أخرى حدثت معنا … لماذا ؟ لا نعرف .
ما نعرفهُ ، هو أنّ الأحلام ، تُثبت الحياة ما بعدَ الموت . والغريب أكثر ، هو أنّ جسمنا البيولوجيّ يتأثّر بما نراهُ في الحُلم ( و مؤكّد أنكم ستوافقونني عليه ) . لماذا يتأثّر جسمنا العضويّ ، مع العلم أننا لا نقوم (جسديّا) بأيّ عمل ٍ ، سوى أن فكرنا وعقلنا ولاوعينا ، يعملون عملهم ( الجسد يتأثّر ولا يمكنُ أن يكون منظرًا للزينة أبدًا فهو مرتبطٌ برباط النفس والروح ) .
عندما نموتُ ، لا نذهبُ إلى أيّ مكان آخر خارجًا عن أحياءَنا وعالمَنا ( تاريخ الإنسان هو تاريخ العالم ولا يمكن الفصل بينهما ! ) ، ليس هناك مكانٌ آخر نذهبُ إليه فوق في السماء (الفضائيّة – فلا وجود للسماء ِ الفضائية إلا في الذهن والمخيّلة ! ) لنكن واقعيّين أكثر من هذا .
حين نأخذ بوصلة بإعتبارها مثالا ، نرى مؤشّرها يتّجه نحو الشمال ، ويُحتّم وجود قطب شماليّ لم ولن نراه ، لكونه شيئا ” غير محسوس ” . كذلك ما يُحرّك الإنسان من المحتّم أنْ يكون له وجود وإلا ما إتجه نحو هذا المطلق. إن هذا القُطب ، ليس في متناول حواسّنا ولا يقعُ في إطار حياتنا على الأرض . هذه الحقيقة مبنيّة على مبدأ فلسفيّ هو الـ”سببيّة ” فلكلّ شيء سبب ، ولكلّ مفعول ٍ فاعل .
لقد تفنّن الإنسان القديم في الدفن وأوضاعه : فهناكَ الدفن في وضع معيّن ، بعض الشعوب تدفنُ موتاها في وضع القرصفاء ، كالجنين في الرحم ، وأحيانا يُوضَع في جرّة كبيرة من الفخّار تشبّها بالرحم والجنين بداخله ، مما يشيرُ إلى عودة المتوفّى إلى أصله كجنين في إنتظار أن يولَد ثانية ً بعد أن يُدفَن في بطن الأرض. وهناكَ من يدفنون الموتى في إتجاه الشرق ، في إنتظار شروق الشمس التي ترمزُ للحياة الأخرى. وهناك الدفنُ في الضفّة المقابلة للنهر ، ولقد مارسها المصريّون القدماء ، فعبور النيل يرمزُ إلى عبور الموتى إلى أرض وحياة أخرى . وهناكَ التحنيط ، من خلاله نحافظ على الكيان حتى يستمرّ في الحياة بعد الموت .
يتبع
زينيت