ثمّة في اللاهوت الأرثوذكسيّ إيمان راسخ بأنّ المسيح أتى إلى العالم لغاية أساسيّة هي ترميم صورة الإنسان التي تكسّرت وتحطّمت على صخور الخطيئة. أتى المسيح كي يعيد إلى الإنسان بهاءه الأوّل، بل بهاءً أبهى من البهاء الأوّل.
آدم وحوّاء، رمزا الإنسانيّة كلّها، سقطا في الخطيئة التي ليست سوى خطيئة الكبرياء، ذلك أنّهما أرادا أن يصيرا إلهين. وكان بمقدورهما، بحرّيّتهما التي وهبها الله لهما منذ لحظة خلقهما، أن يصيرا إلهين بالنعمة، والدليل هو أنّ الله حين خلقهما وعدهما بالخلود إلاّ إذا عصيا كلامه وأكلا من شجرة معرفة الخير والشرّ. كان بمقدورهما، إذًا، عبر التواضع أن يحصلا على ما فقداه بكبريائهما.
يقول القدّيس بولس الرسول: “من أجل ذلك كأنّما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع” (رومية 5، 12). نعم، الجميع دون استثناء قد أخطأوا، وأعوزهم مجد الله حتّى يخلصوا. غير أن بولس يؤكّد أن مجيء المسيح قد قلب الأمور رأسًا على عقب، إذ كان بلا خطيئة. المسيح هو آدم الجديد، الإنسان الجديد، بكر كلّ خليقة، الإنسان الكامل، الذي بطاعته لله قد غلب الموت، ووهب الحياة للعالم.
أراد آدم وحواء بعصيانهما الله أن يصيرا إلهين، وفشلا فشلا ذريعًا. لو أطاع آدم وحواء الله، كما فعل المسيح، لما ذاقا الموت. العصيان أدّى إلى الموت، والطاعة تُنهض من الموت. لكنّ ذلك يتطلّب الخضوع للمحبّة بلا شروط، وهذا ما فعله المسيح حين قبل الآلام والصلب والموت. لقد اختار المسيح أن يموت على الصليب، وهو القادر على أن يبيد الذين صلبوه ومملكتهم كلّها. فضّل المسيح أن يكون قتيلاً على أن يكون قاتلاً. الطاعة ثمنها الحياة، وإن سلكت الحياة درب الموت.
آدم وحواء، الإنسان ذكرًا وأنثى، أرادا أن يصيرا إلهين. استكبرا فسقطا. ماتا بعد أن كانا خالدين. المسيح، ابن الله الكائن منذ الأزل مع الله، أراد أن يصير إنسانًا فصار. تنازل وتواضع إلى حدّ الانسحاق والموت على الصليب. نهض من الموت وأقام معه آدم وحواء، أي الإنسانيّة كلّها. آدم وحواء فقدا الخلود بخطيئتهما، في حين أنّ المسيح قد أعاد الخلود إلى الإنسان بطاعته لله.
الإنسان يسعى إلى أن يحيا إلى الأبد، لكنّه لا يعرف الطريق التي تؤدّي إلى هذه الحياة الخالدة. يظنّ أنّه بطاقاته الخاصّة قادر على أن يحصل على عدم الفناء. يظنّ نفسه خالدًا بما يملكه من سلطة ومال… السلطة والمال بخاصّة، لأنّه بهاتين الوسيلتين يستطيع الحصول على كلّ ما يريد، إلاّ الحياة. وهل ثمّة إغراء أقوى من إغراء السلطة والمال؟
الحياة هبة من الله الذي نفخ في آدم، وفينا كلّنا، من روحه نفسًا ليحيينا. ومَن يسلب الإنسان حياته إنّما يسلبه وديعة الله التي وضعها الله فيه. القاتل يظنّ نفسه إلهًا كي يمارس فعل القتل، وهذا ذروة الشرك، وليس ثمّة شرك أعظم منه. فكيف إذا أضفنا إلى عمليّة القتل بهجة القاتل بفعلته، ورقصه على جثث ضحاياه وسكره بدماء ضحاياه؟ بعضهم لا يرغب بأنّ يكون إلهًا وحسب، بل يظنّ نفسه رئيسًا لمحفل الآلهة. فنجّنا يا ربّ.
الأب جورج مسّوح
الوسوم :حين يظنّ الإنسان نفسه إلهًا