عُقد اللقاء التقليدي بين البابا فرنسيس وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لمناسبة تبادل التهاني بحلول العام الجديد.
تخلل اللقاء خطاب مسهب للبابا عبّر في مستهله عن أطيب تمنياته للدبلوماسيين الحاضرين والدول والشعوب التي يمثلونها وأكد أن الكنيسة الكاثوليكية تهتم بالعائلة البشرية واحتياجاتها أيضا على الصعيدين الاجتماعي والمادي، ومع ذلك لا يسعى الكرسي الرسولي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بل يطمح لأن يُسمع صوته لاسيما في القضايا المتعلقة بخير كل كائن بشري. ولفت إلى أن هذا الحرص يميز لقاء اليوم واللقاءات المتعددة التي جمعت البابا مع الحجاج والمؤمنين خلال العام الماضي، فضلا عن الزيارات التي أتمها إلى تشيلي، بيرو، سويسرا، إيرلندا، ليتوانيا، لاتفيا وإستونيا.
وبعد أن أشار إلى الاتفاق الموقت بين الكرسي الرسولي وجمهورية الصين الشعبية بشأن تعيين الأساقفة الذي وُقّع في الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر الماضي، سلط البابا الضوء على الحدث الذي طبع بداية الدبلوماسية الحديثة المتعددة الأطراف ألا وهو إنشاء عصبة الأمم مع التوقيع على معاهدة فيرساي لمائة سنة خلت، ما مهد الطريق أمام نشأة منظمة الأمم المتحدة في العام 1945. وشدد فرنسيس في هذا السياق على ضرورة أن يستمر الحوار الصادق والبنّاء بين الدول، على الرغم من الصعوبات الراهنة والتي تتبين من خلال عجز الجماعة الدولية عن إيجاد حلول لبعض الصراعات المستمرة ومواجهة العديد من التحديات الراهنة.
ولم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى بروز بعض النزعات القومية والشعبوية، على غرار ما حصل بين الحربين العالميتين، لافتا إلى أن هذه الظاهرة تُضعف تدريجياً المنظومة المتعددة الأطراف وتُفقد الثقة وتولّد أزمةَ مصداقية على صعيد السياسة الدولية، وتهميشاً لبعض مكونات العائلة البشرية. ولفت البابا في هذا السياق إلى رسالته لمناسبة اليوم العالمي الثاني والخمسين للسلام والتي تناول فيها كيفية أن تضع السياسة نفسها في خدمة السلام مشيرا إلى وجود ترابط بين السياسة الصالحة والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم. وشدد على ضرورة أن تكون السياسة بعيدة النظر، إذ ينبغي ألا تقتصر على الحلول القصيرة المدى.
بعدها تطرق البابا إلى أهمية العمل من أجل الدفاع عن الأشخاص الأكثر ضعفاً، لافتا إلى أن الكنيسة كانت وما تزال ملتزمة من أجل مساعدة المحتاجين، وأشار على سبيل المثال إلى المعونات المقدمة إلى أوكرانيا، لاسيما إلى السكان المنكوبين في شرق البلاد، مؤكدا أيضا أن الكنيسة تشجع الجميع على البحث عن دروب سلمية وضمان العدالة والشرعية.
هذا ثم ذكر فرنسيس بضحايا الحروب التي يشهدها عالمنا اليوم، لاسيما في سورية، وقال: إني أوجه مرة جديدة نداء إلى الجماعة الدولية كي تعمل في سبيل حل سلمي للصراع. وطالب بوضع حد لانتهاكات القانون الإنساني، مشيرا أيضا إلى موجة النزوح الكبيرة وليدة الحرب السورية والتي أثّرت على الدول المجاورة لاسيما الأردن ولبنان البلدين اللذين استقبلا أعدادا هائلة من النازحين بروح الأخوّة، ما تطلب تضحيات جمة، على أمل أن يعود هؤلاء النازحون إلى ديارهم عندما تتوفر الظروف الملائمة.
بعدها تطرق البابا إلى الأوضاع التي يعاني منها المسيحيون في الشرق الأوسط، مشددا على ضرورة أن ينعم المسيحيون بمستقبل في المنطقة، وحثّ السلطات على ضمان أمن وسلامة المسيحيين كي يستمر هؤلاء في العيش بأوطانهم ليكونوا فيها مواطنين بكل معنى الكلمة. ولم تخل كلمة البابا من الإشارة إلى التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في مختلف مناطق الشرق الأوسط، وقال إنه سيقوم في المستقبل القريب بزيارة بلدين حيث غالبية السكان مسلمون وهما المغرب والإمارات العربية المتحدة وقال إن الزيارتين ستشكلان فرصة هامة من أجل تعزيز الحوار ما بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني الديانتين.
وشدد فرنسيس على ضرورة توفير الحماية للمهاجرين واللاجئين، مشيرا إلى ضرورة أن تدرك حكومات الدول أن هؤلاء الأشخاص غالبا ما يهربون من بلدانهم بسبب الفقر المدقع والجوع والعنف والاضطهاد، لذا من الأهمية بمكان أن تُتخذ الإجراءات الكفيلة بدمجهم في المجتمعات المضيفة. في هذا سياق أشار فرنسيس إلى الدعم الذي قدمه الكرسي الرسولي من أجل التوصل إلى الاتفاق العالمي حول الهجرة، معتبرا أن هذا الأمر يشكل خطوة هامة إلى الأمام من أجل مواجهة هذا التحدي.
هذا ثم انتقل البابا إلى الحديث عن الخطوات الهامة التي تم تحقيقها على الصعيد العالمي فيما يتعلق بجهود السلام، فأشار إلى الاتفاق السلمي الذي وُقع بين أثيوبيا وإرتريا، فضلا عن الاتفاق بين قادة جنوب السودان الذي شكل بصيص أمل بالنسبة للقارة الأفريقية برمتها. وقال إنه يتابع باهتمام التطورات الراهنة في جمهورية الكونغو الديمقراطية معربا عن أمله بأن يجد هذا البلد المصالحة ويسير في درب النمو. وعبّر أيضا عن قربه من السكان المتألمين في مالي، النيجر، نيجيريا والكاميرون.
وفيما يتعلق بشبه الجزيرة الكورية قال البابا إن التقارب الذي حصل بين سيول وبيونغ يانغ يشكل مؤشرا إيجابياً، مضيفا أن الكرسي الرسولي يتابع الحوار باهتمام ويأمل بالتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الشائكة. وعبّر فرنسيس أيضا عن أمنيته بأن يجد فنزويلا الدرب المؤدية إلى حل الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة. تابع البابا معربا عن أمنيته باستئناف الحوار السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من أجل التوصل إلى اتفاق يأخذ في عين الاعتبار التطلعات المشروعة للشعبين، ويضمن التعايش بين دولتين وبلوغ السلام الذي طال انتظاره. في ختام كلمته لأعضاء السلك الدبلوماسي توجه البابا إلى الشعب الإيطالي معبرا عن قربه منه وآملا أن يتميز دائماً بروح الأخوة والتضامن وعبر للجميع عن أطيب تمنياته لمناسبة حلول العام الجديد.
اذاعة الفاتيكان