ستقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في كابلة السكستين بالفاتيكان الفنانين المشاركين في لقاء نُظم لمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لتدشين مجموعة الفن الحديث في المتاحف الفاتيكانية.
وجه البابا كلمة إلى ضيوفه استهلها مشيرا إلى أن الكنيسة ربطتها دوماً علاقة مع الفنانين يُمكن وصفها بالطبيعية والمميزة خصوصا وأن الفنان يأخذ على محمل الجد عمق الوجود والحياة والعالم، على الرغم من تناقضاته ونواحيه المأساوية. كما أن الفنان يذكّر الجميع بأن البعد الذي نتحرك فيه هو بعد الروح، والفن يأتي بمثابة شراع يملأه الروح ويدفعنا إلى الأمام. كما أن الفن الذي عرفناه على مر التاريخ هو جزء من التراث الخاص بالجميع، المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء.بعدها تحدث البابا عن أوجه الشبه بين الفنان والطفل، لأن الفنان هو شخص يتحرك في مجال الابتكار والحداثة والإبداع، ويقترح على العالم شيئاً جديداً لم يسبق له مثيل. وهو يجعل الإنسان يُدرك أنه لم يُخلق كي يموت بل كي يحيا. ولفت فرنسيس إلى أن الفنان يضع جزءاً من ذاته في الأعمال التي يصنعها، وعندما تساعده الموهبة يستطيع أن يُغني العالم بواقع جديد. وقال إن فكره يتجه نحو ما جاء في سفر النبي أشعياء وسفر الرؤية، عندما قال الرب إنه يصنع شيئاً جديدا، ويجدد كل الأشياء. من هذا المنطلق يبدو أن عمل الفنان يشكل مشاركة في عمل الله هذا، ويتمتع الفنانون بعيون تنظر وتحلم في الآن معا.مضى البابا إلى القول إن الكائنات البشرية تطوق إلى عالم جديد وتحلم به، وللفنانين القدرة على أن يحلموا بأشكال جديدة لهذا العالم وأن يُدخلوا على التاريخ الحداثة. ومن هذا المنطلق لا بد أن يبتعدوا عن الجمال الاصطناعي والسطحي المنتشر اليوم والذي يتواطأ غالباً مع الآليات الاقتصادية التي تولّد انعدام المساواة. وشدد البابا على ضرورة أن يكون الفن بمثابة ضمير نقدي للمجتمع، وأن يبرز ما يحمل الإنسان على التفكير، وأن يميط اللثام عن الواقع بكل تناقضاته وأبعاده. ومن خلال تبنيهم هذا الموقف اعتبر البابا أن الفنانين قادرون على الإسهام في قضايا هامة شأن الدفاع عن الحياة والعدالة الاجتماعية والأشخاص المهمشين، والاعتناء بالبيت المشترك، وتعزيز الشعور بالأخوة.هذا ثم سلط البابا الضوء على أوجه الشبه القائمة بين الإيمان والفن، اللذين لا يقبلان بترك الأمور كما هي، بل يسعيان إلى تغييرها، وأضاف أن الفن لا يستطيع أن يكون كالمخدِّر، إنه يهب السلام لكنه في الوقت نفسه يحافظ على يقظة الضمير. وأشار فرنسيس إلى أن الفنانين غالباً ما يسعون إلى الغوص في الأوضاع البشرية وفي نواحيها القاتمة. ومن هنا تكمن أهمية السعي إلى تسليط الضوء على الأمل الكائن في العتمة الداخلية للإنسان. وهكذا يساعدنا الفنانون على رؤية النور والجمال الذي يخلص.تابع البابا قائلاً إن الفن كان وما يزال مرتبطاً باختبار الجمال. والفن يحاكي الحواس كي يحرك الروح، ويفعل ذلك من خلال الجمال، الذي هو انعكاس للأمور الطيبة والعادلة والحقيقية. كما أن الجمال يُشعرنا بأن الحياة تتوجه نحو ملئها، وفي الجمال الحقيقي نبدأ باختبار الحنين إلى الله. ولم تخل كلمات فرنسيس من الإشارة إلى أهمية التناغم مؤكدا أن الجمال الحقيقي هو انعكاس للتناغم والتناغم يعني وجود أجزاء متخلفة عن بعضها البعض لكنها تشكل كياناً واحداً، وهو أمر صعب يستطيع الروح القدس وحده أن يجعله ممكنا. وبهذه الطريقة لا تتحول الاختلافات إلى صراعات، بل إلى تنوع في إطار الاندماج. كما أن الوحدة ليست تماثلاً بل تحتوي التنوع.ولفت البابا في هذا السياق إلى أن عالمنا اليوم هو بأمس الحاجة إلى التناغم، في وقت تسود فيه أشكال من الاستعمار الأيديولوجي والصراعات الممزِّقة. وحذر البابا من مخاطر الانقسامات والتحزبات والنرجسيات، مشددا على أهمية ترسيخ مبدأ التناغم في العالم. ونستطيع أن نفهم معنى الجمال الحقيقي عندما ننظر إلى عمل الروح القدس الذي يحقق التناغم وسط الاختلافات دون أن يقضي عليها أو يجعلها تتماثل مع بعضها البعض. والجمال هو عمل الروح القدس الذي يولد التناغم. وتمنى البابا أن يسير إبداع الفنانين في هذا الاتجاه.في الختام عبر فرنسيس مجددا عن سروره للقاء ضيوفه، وشجعهم على عدم نسيان الفقراء، المفضلين لدى المسيح، قائلا إن الفقراء ومن يختبرون الحرمان يحتاجون أيضا إلى الفن والجمال، وهم أشخاص لا يستطيعون أن يُسمعوا صوتهم، ولا بد أن يعبر الفنانون عن صرختهم الصامتة هذه. هذا ثم تمنى البابا أن تكون الأعمال الفنية لائقة برجال ونساء هذه الأرض وأن تمجد الله الذي هو أب الجميع، والذي يبحث عنه الكل، أيضا من خلال الفنون. ثم منح الحبر الأعظم الحاضرين بركاته الرسولية طالباً منهم أن يصلوا من أجله. |