توجه البابا فرنسيس بالتوقيت المحلي إلى مركز حيدر علييف في باكو حيث كان له لقاء مع ممثلين عن السلطات المدنية والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني. ألقى البابا خطابا للمناسبة استهله معربا عن سروره لزيارة أذربيجان وعبر عن امتنانه للجميع على حسن الضيافة التي لاقاها في هذه المدينة المطلة على بحر قزوين. وخص بالشكر رئيس البلاد مذكرا بالزيارة التي قام بها هذا الأخير إلى الفاتيكان العام الماضي.
هذا ثم عبر البابا فرنسيس عن إعجابه بتنوع الثقافة الأذرية وغناها، والتي هي ثمرة إسهام العديد من الشعوب التي سكنت في تلك البقاع على مر العصور. وذكّر بأن هذا البلد سيحتفل في الثامن عشر من تشرين الأول أكتوبر الجاري بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاستقلاله وتشكل هذه المناسبة فرصة للنظر في الانجازات التي تحققت على مدى العقدين الماضيين والمشاكل التي ما تزال تواجهها البلاد.
وأكد البابا أن المسيرة التي تم اجتيازها حتى اليوم تُظهر بوضوح الجهود الهامة التي بُذلت من أجل إرساء أسس المؤسسات وتعزيز النمو الاقتصادي والمدني للأمة الأذرية. ولفت إلى أن هذه المسيرة تتطلب اهتماما حيال الجميع لاسيما الأشخاص الأكثر ضعفا، وهذا الأمر يمكن تحقيقه بفضل مجتمع يُقر بفوائد التعددية الثقافية وبضرورة تكامل الثقافات كي تُقام علاقات من الاحترام والتعاون المتبادلين بين مكونات المجتمع المدني وأتباع مختلف الطوائف والأديان.
تابع البابا خطابه إلى السلطات المدنية في أذربيجان مشيرا إلى أن الجهد المشترك من أجل بناء التناغم وسط الاختلافات يكتسب أهمية كبيرة في هذا الزمن، لأنه يُظهر إمكانية الشهادة للأفكار والقناعات الخاصة دون انتهاك حقوق ذوي القناعات الأخرى، معتبرا أنه لا يجوز استخدام القناعات والهويات الخاصة واسم الله من أجل تبرير محاولة التسلط والسيطرة. هذا وتمنى البابا فرنسيس أن يتابع هذا البلد سيره في درب التعاون بين مختلف الثقافات والمذاهب الدينية، آملا أن تتغذى الحياة الاجتماعية والمدنية من التناغم والتعايش السلمي كي يتمكن الجميع من الإسهام لصالح الخير العام.
ولم يخلُ خطاب البابا من الإشارة إلى العديد من الصراعات المسلحة التي يشهدها عالمنا المعاصر والتي تتغذى من عدم التسامح وتغذي أيديولوجيات العنف ونكران حقوق الضعفاء. وبغية التصدي لهذه المخاطر لا بد من أن تنمو ثقافة السلام التي تتغذى من الحوار والبحث الدؤوب عن الحلول المتقاسمة عن طريق التفاوض. ومن الأهمية بمكان أن يُعزز التناغم بين الدول بغية السير قدما في الدرب المؤدية إلى ترقي الشعوب وحريتها، والتوصل إلى اتفاقات دائمة وإلى السلام.
هذا ثم عبّر البابا فرنسيس عن قربه من جميع الأشخاص الذين أجبروا على ترك أرضهم ومن يعانون من نتائج الصراعات المسلحة الدامية متمنيا أن تتمكن الجماعة الدولية من تقديم مساعدتها بمثابرة. وقال إنه واثق بأنه بفضل عون الله ومن خلال حسن نوايا الأطراف، يمكن أن تصبح القوقاز منطقة يتم فيها تخطي الخلافات من خلال الحوار والتفاوض، لتصير هكذا تلك المنطقة ـ التي وصفها البابا يوحنا بولس الثاني بالباب بين الشرق والغرب ـ بابا مفتوحا على السلام ومثالا يُحتذى به من أجل حل الصراعات القديمة والجديدة.
وأكد البابا أن الكنيسة الكاثوليكية، وعلى الرغم من صغر حجمها، ناشطة في الحياة المدنية والاجتماعية معبرا في هذا السياق عن ارتياحه للعلاقات الودية القائمة بين الجماعة الكاثوليكية المحلية والجماعات المسلمة والأرثوذكسية واليهودية. وختم البابا كلمته مؤكدا أن هذه العلاقات الطيبة تكتسب أهمية كبرى بالنسبة للتعايش السلمي والسلام في العالم كله وتُظهر أن مؤمني مختلف المذاهب الدينية قادرون على عيش العلاقات الودية والاحترام والتعاون لصالح الخير العام. كما أن التمسك بالقيم الدينية الأصيلة لا يتماشى إطلاقا مع محاولة فرض قناعاتنا على الآخرين بالقوة مُحْتمين وراء اسم الله.
إذاعة الفاتيكان