بعد أن حيّا القادة الدينيين فرداً فرداً، ألقى البابا فرنسيس خطاباً عبّر في مستهله عن سروره للدعوة التي تلقاها ليزور هذا الصرح الجامعي العريق، وللفرصة المتاحة أمامه ليلتقي بالقادة الدينيين المسيحيين وغير المسيحيين الذين يشرّفونه بحضورهم، كما قال. بعدها ذكّر البابا بالزيارة التي قام بها الملك Chulalongkorn، الذي تحمل الجامعةُ اسمَه، إلى روما في العام 1897 ولقائه مع البابا الراحل لاوون الثالث عشر، وكان أولَ رئيسِ دولة غير مسيحي يزور الفاتيكان. وقال فرنسيس إن هذا اللقاء التاريخي يشجعنا اليوم على الالتزام في درب الحوار والتفاهم المتبادل، وينبغي أن يتم هذا الأمر بروح من المشاركة الأخويّة ويساهم في وضع حدّ للأشكال المتعددة من العبودية التي ما تزال راهنةً في عالم اليوم، لاسيما آفةِ الاتجار بالكائنات البشرية.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن أهمية الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل فضلا عن التعاون بين الديانات وهو أمر ملحّ بالنسبة للبشرية اليوم. وأضاف أن عالمنا يجد نفسه اليوم أمام مشاكل معقدة، شأن العولمة الاقتصادية – المالية ونتائجها الخطيرة على نموّ المجتمعات المحلية. وأشار فرنسيس في هذا السياق إلى مشاكل أخرى كتلك المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين فضلا عن المجاعات والصراعات المسلحة، والتدهور البيئي الحاصل. وأكد أن هذه المشاكل تعني العائلة البشرية بأسرها، لافتاً إلى أن زمن انعزال الدول ولّى، وبات يتعين علينا اليوم أن نتصوّر منطقَ اللقاء والحوار كدربٍ واجب اتّباعها، ومنطقَ التعارف المتبادل كنهجٍ ومعيار، وبهذه الطريقة نقدّم نموذجاً جديداً لحلّ الصراعات، ونساهم في تحقيق التفاهم بين الأشخاص وفي حماية الخليقة. وشدد فرنسيس على أن الديانات مدعوةٌ إلى المساهمة في هذا المجال، بدون التخلي عن خصوصياتها ومواهبها الفريدة. ورأى أن كلّ ما نفعله في هذا الاتجاه يشكل خطوة هامة من أجل ضمان حق الأجيال الفتية في المستقبل، ويمثّل أيضا خدمة للعدالة والسلام.
هذا ثم اعتبر البابا أن الزمن الراهن يتطلب منا أن نبني أسساً صلبةً قوامُها الاحترام والإقرارُ بكرامة الأشخاص، وتعزيزُ أنسنة متكاملة قادرةٍ على الدفاع عن البيت المشترك، وحماية الطبيعة. وأكد فرنسيس أن التقاليد الدينية الكبيرة تقدّم شهادة لتراث روحي، متعالٍ ومتقاسَم، قادرٍ على تقديم إسهام راسخ في هذا المجال إذا ما كان أتباع الديانات قادرين على التلاقي والاغتناء من بعضهم البعض بدون خوف. وشدد على أن الديانات مدعوة لإيلاء اهتمام خاص بالفقراء من حولنا، وبالمهمشين والمضطهدين والسكان الأصليين والأقليات الدينية، وعليها أيضاً أن تخلق فرصاً تسمح بالاتحاد والعمل المشترك. ولم تخلُ كلمات البابا من الإشارة إلى أهمية الدفاع عن الكرامة البشرية واحترام حرية الضمير والحق في الحرية الدينية.
ثم أشار فرنسيس إلى الاحترام الكبير الذي يخص به الشعبُ التايلاندي المسنين، لأن هؤلاء يحملون الجذورَ اللازمة للقيم التي ينبغي ألا تفرغ منها الأجيالُ الجديدة. وتطرق إلى أهمية أن تكتشف تلك الأجيال الكنوزَ الثقافية في المجتمع الذي تعيش فيه. ولا بد أن يُساعد الشبان على اكتشاف غنى الماضي، وعلى التلاقي مع جذورهم الخاصة، وذلك في إطار مسيرة نموهم والخيارات التي ينبغي أن يتخذوها. ويكتسب أهميةً كبرى في هذا المجال دورُ المعاهد والمؤسسات التربوية. وأضاف البابا أن البحوث والمعارف تساعد على فتح دروب جديدة من أجل تقليص انعدام المساواة بين الأشخاص وإرساء أسسِ العدالة الاجتماعية والدفاع عن الكرامة البشرية، والبحث عن حلول سلمية للصراعات، وحماية الموارد التي تمنح الحياة للأرض.
بعدها عبّر فرنسيس عن امتنانه الموجّه بنوع خاص إلى المربّين والأكاديميين في تايلاند، الذين يسعون إلى ضمان القدرات اللازمة للأجيال الناشئة وإيقاظ معرفتهم بالجذور العريقة، وهذا ما يسمح لرجال ونساء الغد في المشاركة بعملية تعزيز الخير العام للمجتمع. ختاماً عبّر البابا مرة جديدة عن شكره للقادة الدينيين وامتنانه على الإسهام الذي يقدمونه في المجتمع، آملاً أن تبقى جهودُهم موجهةً دائماً نحو خدمة نمو تايلاند في الازدهار والسلام، وسأل الله أن يبارك الحاضرين وعائلاتهم وجميع الأشخاص الذين يخدمونهم.
أخبار الفاتيكان