التقى البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان المشاركين في يوبيل “عمال الرحمة”. وجه البابا للحاضرين خطابا استهله مشيرا إلى أن القديس بولس الرسول تحدث مرارا عن المحبة، وعبّر عن أمله بألا نفتقر إطلاقا إلى محبة الله في حياتنا وفي تاريخ العالم. ولفت البابا إلى أن المحبة الحقيقة تبقى على الدوام فتية وديناميكية، وأمينة لا تخون على الرغم من التناقضات، مشيرا إلى أننا اليوم شهود لهذه المحبة، مدركين أن حياتنا تتجدد عندما تترك المحبة تلفنا.
هذا ثم أكد البابا أن المحبة التي يتحدث عنها القديس بولس الرسول ليست أمرا مبهما بل على العكس إنها محبة يمكن لمسها لمس اليد، ويمكن أن يختبرها الأشخاص بأنفسهم. وقال إن يسوع هو التعبير الأعظم عن هذه المحبة، إذ إن حياته كانت كلها تعبيرا عن محبة الآب الملموسة والواقعية، وصولا إلى تقديم ذاته من أجلنا، كما يكتب القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما “أما الله فقد دل على محبته لنا بأن المسيح قد مات من أجلنا إذ كنا خاطئين” (روما 5، 8). هذا ثم حث البابا المؤمنين على أن يحملوا معهم على الدوام ثقة الإيمان مدركين أن المسيح أحبنا وبذل نفسه من أجلنا وبالتالي لا يوجد شيءٌ يفصلنا عن محبة الله في المسيح يسوع.
بعدها تحدث البابا فرنسيس عن مثل السامري الصالح في الإنجيل لافتا إلى أن الكنيسة لا يسعها أن تتصرف حيال المحتاج والفقير والمريض كما فعل الكاهن واللاوي اللذين مرا بجانب الرجل الجريح والذي كان يحتضر. وأكد أن النظر إلى الجهة الأخرى يعني في الواقع غض الطرف عن مآسي الجوع والمرض والاستغلال، وهذه خطيئة كبيرة. هذا وعاد البابا فرنسيس ليؤكد أن رحمة الله ليست فكرة جميلة ومجردة إنها عمل ملموس وواقعي إذ لا توجد رحمة بدون العمل الواقعي اليومي. وذكّر البابا في هذا السياق بما كتبه القديس يوحنا الرسول “يا بني، لا تكن محبتنا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق” (1 يوحنا 3، 18).
هذا ثم توجه البابا إلى آلاف الشبان والشابات الحاضرين في الساحة الفاتيكانية وقال إنهم يمثلون عمل التطوع على تنوع وجوهه ولفت إلى أنهم يقومون بأعمال الرحمة يوميا بشكل مخفي وصامت وقال لهم “إنكم حرفيو الرحمة” مشيرا إلى أن حضورهم وسط الأشخاص المتألمين والمحتاجين يمثل يد المسيح الممدودة إلى هؤلاء. وأكد أن مصداقية الكنيسة الكاثوليكية تمر عبر هذه الخدمة إلى تُقدم إلى الأطفال المتروكين والمرضى والفقراء المحتاجين إلى الطعام والعمل، والمسنين والمشردين والسجناء واللاجئين والمهاجرين وكل من يعانون من نتائج الكوارث الطبيعية. وأشار البابا إلى أن عالمنا اليوم يحتاج إلى علامات ملموسة من التضامن، خصوصا إزاء تجربة اللامبالاة، ويتطلب حضور أشخاص قادرين على مواجهة الفردانية والأنانية. وشجع البابا المشاركين في هذا اليوبيل على عيش الفرح بشكل دائم وحثهم على المواظبة على الصلاة!
في ختام كلمته ذكّر البابا الحاضرين من ساحة القديس بطرس ومن شاهدوه واستمعوا إليه عبر الإذاعة والتلفزيون والإنترنت بأنه سيترأس صباح غد الأحد قداسا احتفاليا يُعلن خلاله قداسة الأم تيريزا دي كالكوتا، وقال إن شاهدة الرحمة هذه تلتحق بكم هائل من رجال ونساء جعلوا ـ من خلال قداستهم ـ محبة المسيح مرئية. وشجع البابا الحاضرين على الاقتداء بمثل هؤلاء، وعلى أن يكونوا أدوات متواضعة بين يدي الله من أجل التخفيف من آلام العالم ومنحه فرح ورجاء القيامة. وقبل أن يمنح المشاركين في هذا اليوبيل بركاته الرسولي طلب البابا منهم أن يصلوا بصمت على نية الأشخاص المتألمين ومن يعيشون على هامش المجتمع، وأن يصلوا أيضا على نية العديد من المتطوعين ومن يوجهون النظر إلى الطرف الآخر ويقولون إن معاناة العالم لا تعنيهم.
إذاعة الفاتيكان