يمرّ جميع الأطفال، ودون إستثناء، أثناء خطواتهم الأولى، باختبارات منها ناجحة ومنها فاشلة. فكم مرّة حاول الطفل في البيت أن يمشي من دون مساعدة أحد، وفشل وبدأ يبكي بسبب عجزه؟ وكم مرة حاول الطفل في بيت جدّه وجدّته أن يقفز ويرقص على رجليه ولم يُفلح، فغضب واستسلم للبكاء؟ وغيرها من الأحداث التي لا يعرف الأهل كيفية معالجتها. إلّا أنّ السرّ يكمن في نظرة الأهل للطفل الذي ينتظر منهم التشجيع لا نظرات التوبيخ خصوصاّ في خطوات المشي الأولى. فكيف يمكن للأهل مواجهة مراحل المشي عند طفلهم؟ وهل التوبيخ يساعد حقّاً؟ أو للتشجيع دور فعّال في تعلّم الطفل المشي بطريقة سريعة؟
يتعرّض الطفل، عندما يستعد لأولى خطواته، لبعض الأخطار البسيطة التي لا تؤثر فيه بشكل مباشر وعلى مشيه، كالسقوط على الأرض أو تعلّم «التسلّق» على أثاث المنزل ويتلبّك الطفل بدايةً بالمشي وتكون خطواته غير ثابتة. ويشعر الطفل طبعاً بالكثير من القلق والخوف خلال قيامه بخطواته الأولى، ويتشارك أهله معه هذا القلق.
قلق الأهل خلال خطوات الطفل الأولى
يشعر جميع الأهل بالقلق الدائم على طفلهم الذي يتعلّم المشي خوفاً من أن يسقط أرضاً ويؤذي نفسه. وهذا الواقع الجديد يتطلّب انتباه الاهل بأكمله على كلّ خطوات طفلهم، ويحوّل الوالدين إلى شخصين قلقين طول الوقت لضمان سلامة طفلهم إلى أقصى حدّ ممكن.
ولكن يجب تشجيعه حتى لو كان يواجه مصاعب خلال خطواته الأولى لأنّ جميع الأطفال لديهم «حسّ» في تجنّب الخطر على الرغم من أنّ تصرفاتهم تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأهلهم الذين يهتمّون بسلامتهم الشخصية وينبهوهم دائماً من عدم السقوط والمشي برويّة وبهدوء. كما يشجّع الأهل طفلهم لإكمال خطوته التي يكون عادة غير واثق منها.
وطبعاً، خلال تعلّم الطفل المشي، هو يتعلّم أيضاً مبدأً مهمّاً جدّاً وهو «معنى الخطر». وهذا المبدأ الاساسي لحياة الإنسان لا يمكن إستيعابه إلّا عندما يقع بالخطأ فيستبدله بالتصرف المناسب.
ويجب أن تقوم ردّة فعل الاهل تجاه «مبدأ الخطر» على التفسير المنطقي للطفل حتى لو ما زال في سنته الأولى. فلا يمكن للأم أن تقول لطفلها: «إنتبه وإلّا ستقع أرضاً وتؤذي نفسك!» في هذه الحال ستصل إلى الطفل رسالة واحدة وهي القلق الكبير الذي تشعر به الأم تجاهه. لذا يجب أن تُستبدل هذه الجملة بأخرى أكثر إيجابية وهي: «إنتبه خلال خطواتك! إمشِ على مهل ولا تُسرع وأنا فخورة بك!».
فعندما يكون تفكيرُ الأم إيجابيّاً وكلّما أَبعدت هي شبح القلق عن أفكارها، سيشعر الطفل بالأمان وسيثق أكثر بخطواته مع مساعدة أحد الوالدين له. فكم من الأطفال يبدأون بالركض ليتوقفوا من بعدها عن نشاطهم خوفاً من قلق الوالدين؟
عندما يمنع الأهل طفلهم…
نلاحظ أحياناً أنّ الوالدين يمنعان أطفالهم من معاودة نشاط معيّن بعدما يسقطون أو يتعثّرون بشيء أو يصعدون الأدراج بمفردهم. إلّا أنّ دور الأب والأم في هذا الموضوع هو مساعدة الطفل في إكتشاف «الدرج» وإكتشاف حركات «الصعود» و«النزول» من الدرج. والأساسي في هذه المرحلة هو مساعدة الطفل لإكتشاف الاشياء التي تحيطه.
وتؤكد الدراسات العلمية أنّ الأشخاص الذين نجحوا في حياتهم العملية والعلمية، ينتمون إلى عائلات ساعدتهم في استكشاف كل «الأشياء» الموجودة حولهم منذ صغرهم.
الطريقة الصحيحة لتعليم الطفل المشي
ملحوظة ذهبية لجميع الأهالي الذين يعلّمون طفلهم المشي، وهي: أعطوهم الحرية ولكن يجب أن تكون تلك الحرية مراقبة من قبلكم. ويعني ذلك، أن لا يفعل الطفل ما يريده ولكن يجب تشجيعه والوثوق به لكي يقوم بخطواته الأولى بكل وقور وثقة. كما يجب على الأهل أن يعوّدوا طفلهم أن يتحمل المسؤولية وينتبه.
كما هناك ملاحظة ثانية أساسية للأهل وهي الإبتعاد عن «الدراما» والهلع والخوف الزائد.
فمن الطبيعي أن يتعثر الطفل بطرف السجادة أو أن يركض مسرعاً وفرحاً ثم يسقط أرضاً… في هذا الحال، لا يجب أن يهلع الأهل ويجعلوا «من الحبة قبة»، بل يجب وبطريقة أوتوماتيكية تهدئة الطفل خصوصاً إذا بدأ بالبكاء ثم تشجيعه لإكمال مشيته بتوازن ومساعدته إذا إقتضى الأمر.
وبعد السنة الأولى من حياة الطفل، لا سيما عندما يتعلّم المشي ويصبح أكثر إستقامةً في تنقلاته، تكثر التعثرات خلال خطواته، لذا لا يجب أن توبّخ الأم طفلها بل التفسير له عن سبب التعثّر وتشجيعه ببعض الجمل الإيجابية: «في المرة المقبلة، عندما تمرّ قرب مدخل الصالون، إمشِ على مهل لكي لا تقع!».
وطبعاً سيشعر الطفل بالإرتياح والأمان والطمأنينة عندما يسمع تلك الكلمات المشجّعة والإيجابية من والدته ووالده على حدٍّ سواء. وملاحظة أخرى وأساسية في هذا الصدد هي أنّ الأهل يجب أن يواكبوا أطفالهم خلال نموّهم الجسدي والنفسي ولكن يجب ايضاً أن يبعدوهم عن كل ما يشكّل خطراً عليهم.
الجمهورية