ما أعرضه اليوم ليس لانتقاد المجتمع، إنما إلى بنائه في وقت خسرنا معنى الزواج والعائلة وبات همنا إنجاح أعراسنا لو مهما كلّف الأمر!
في عرضي هذا، أتوجّه الى المسيحيين لأنّ الزواج – السر الذي حددته الكنيسة عو عظيم لدرجة مشاركة الله في عملية الخلق، في تجديد الحياة عبر بناء عائلة، وفي الحب الذي هو حجر زاوية الزواج.
إنّ وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني “الكنيسة في عالم اليوم” تلقي الضوء على مفهوم الزواج كعهد بين أشخاص ينوون العيش المشترك في الحبّ والحياة: “لقد أسّس الخالق وجهّز بشرائع خاصّة تلك الشركة العميقة في الحبّ والحياة التي يؤلفها الزوجان: إنّها تقوم على اتفاق القرينين أي على رضاهما الشخصي الذي لا يُنقض. إنّها لـمؤسّسة تثبّتها الشريعة الإلهيّة وتنبثق، في نظر المجتمع نفسه، عن العمل البشري الذي به يعطي كلّ من الزوجين ذاته للآخر ويقبل الآخر.
“إنّ هذا الرباط المقدّس لا يخضع لهوى الإنسان. إنّ غاية الزواج هو خيرالزوجين والأولاد والمجتمع أيضاً فالرجل والمرأة أصبحا بعقد الزواج جسداً واحداً لا إثنين (متى 19/6) ليعاضدا هكذا ويساعدا واحدُهما الآخر باتحاد شخصيتها وأعمالهما الإتّحاد الوثيق إنّ هذا الإتّحاد الوثيق الذي هو عطاء متبادل بين شخصين، كما أنّ خير الأولاد، يتطلبان أمانة الزوجين المطلقة ويقضيان بوحدة لا تنحلّ”(الكنيسة في العالم 48). إنّ أهداف الزواج لا يمكن أن تخضع لحكم الإنسان، لأنّ الله ذاته هو واضع شريعة الزواج ومزوِّدُه بالقيم والأهداف.
إنّ الأهداف الأساسيّة لشركة الزواج هي خير الزوجين والأولاد. هذا الخير الكلّي للزوجين وللأولاد هو من ضمن مخطّط الله الخالق. في مخطّط الله يصبح الزوجان في الزواج أيضاً والدين، يتعاونان يساهمان بشجاعة في حبّ الله الخالق والفادي الذي يريد بواستطهما أن تكبر دائماً عائلته بالذات وتزداد غنى. “غير أنّ الزواج لم يُؤسّس لإنجاب البنين فقط، إنّما طبيعة العهد غير المنحل القائم بالزواج وخير البنبن أيضاً تقضي بأن يكون الحبّ المتبادل مُعبَّراً عنه بالإستقامة، بأن يتقدّم ويزدهر. ولذلك حتى وإن لم يكن من أولاد، وإن يكن ذلك معاكساً لرغبة الزوجين الشديدة، فالزواج كتعاون واتحاد يشمل الحياة كلّها ويبقى ويحتفظ بقيمته وبعدم انفصامه”(الكنيسة في العالم 50/3).
نسمع بحالات طلاق كثيرة، يرمي المتزوجون مشاكلهم على الكنيسة (المحكمة الروحية)، يسارع كلّ من الطرفين إلى خلق أعذار وينفصل كلّ منهما ويبدأ الصراع على الأولاد و”بعد السكرة بتجي الفكرة” وكلّ ما أنفق على العرس لا ينفع بعد الآن لإعادة لحمة الزواج!
المشكلة في لبنان (أكتب هذا لأني اعيش في هذا المجتمع)، أنّنا تحوّلنا كمسيحيين من بيئة فلّاحين زرع أجدادنا الأرض وقاموا بتربية الماشية وعاشوا بقناعة، هذه القناعة نفقدها اليوم وهي ليست على علاقة بوضع اقتصادي، إنما طريقة عيش وتفكير المسيحي في لبنان باتت مبنية على اساس المادة وباتت علاقات المسيحيين ببعض علاقة مادية بحتة.
خطير ما يحدث،
نسمع كثيراً أنّ الثقافة الغربية ألقت بظلها على الثقافة اللبنانية وهذه من أسباب العولمة الحديثة، وهذا غير صحيح!
لنقارن بين المجتمع الامريكي والمجتمع اللبناني في طريقة عيشه لربما يعرف اللبنانيون المسيحيون أن ثقافة احتفالهم بالاعراس ليست غربية إنما هي ثقافة بعيدة عن تقاليدهم وعاداتهم المسيحية وهي قريبة إلى حد كبير بحفلات الامراء التي هي شأنهم ولا يمكن ربطها اطلاقاً بالتقاليد اللبنانية.
يقول بعض المسيحيين إنّ العائلات الميسورة يحق لها الاحتفال بعرس كبير، وإنّ لكلّ إنسان مسيحي الحق في اختيار الكنيسة، والاحتفال بالعرس الذي يريد!!! لنناقش هذا الامر.
يقول القديس بولس في رسالته الى اهل قورنتس ” أحذَروا أَن تَكونَ حُرِّيَّتُكُم هذه سَبَبَ عَثرَةٍ لِلضُّعَفاء“، ويعطي معنى للغنى المسيحي الذي هو في هبات الروح وليس في هبات الأرض، ويضيف “لْيَعُدَّنا النَّاسُ خَدَماً لِلمسيح ووُكَلاءَ أَسرارِ الله، وما يُطلَبُ آخِرَ الأَمرِ مِنَ الوُكَلاءِ أَن يَكونَ كُلٌّ مِنهُم أَمينًا”، وما معنى أن نكون وكلاء؟ أي سفراء للمسيح على هذه الأرض؟ اليس أن نلتزم مبادىء المسيح وعيشه على هذه الأرض؟
“والَّذينَ يَستَفيدونَ مِن هذا العالَم كأَنَّهم لا يستفيدونَ حَقًّا، لأَنَّ صُورةَ هذا العالَمِ في زَوال“، يضيف القديس بولس، وما هو العالم غير التشبّث بكل ما فيه من ماديات وارضيات والابتعاد عن الفقر المسيحي.
الحياة المسيحية ليست حياة كبرياء و”شوفة حال”، الحياة المسيحية هي عيش العفّة على أنواعها ونعني بها الابتعاد عن كلّ شيء يصرفنا عن المسيح، وعيش الفرح هو مسيحي نعم، أما التبجّح وصرف المال في سبيل الذات لا علاقة له بالمسيحية بل هو بذخ ويليق هذا بأهل الأرض وليس بأهل الملكوت.
أنتم في العالم ولستم من العالم قال الرب، فلماذا نسير حسب مشيئة هذا العالم والرب جاء ليحررنا من عبودية إبليس؟
لسنا نقول إن كل من يقيم حفل زواج هو غير مسيحي، بل كل من يحيد نظره عن الجوهر أي رابط الزواج المسيحي عليه التفكير مجدداً بمسيحيته.
لهذا، تقوم الكنيسة بدورات إعداد الزواج، وفي وضع اقتصادي واجتماعي رديء، على الخطّاب التفكير جدياً في كيفية بناء عائلة مسيحية، تأسيس منزل يليق بهم والقناعة بما وهبهم الله من عمل واستثماره في أمور بعيدة عن البذخ والتبذير.
ما هو أهم من ثوب العروس هو جوهرها،
ما هو أهم من سيارة العروس هو أخلاقها،
ما هو أهم من مال العريس هو احترامه وحبه لزوجته،
ما هو أهم من حجز أهم حديقة أعراس هو زرع العلاقة بروح الإنجيل لتزهر العائلة بأولاد يحترمون الوالدين،
ما هو أهم من صورة تذكارية هو صورة العائلة في المسيحية،
ما هو أهم من شهر عسل هو سنين عسل من دون شائبة،
ماذا لو أصبحت أعراسنا متواضعة، ندخل الكنيسة بخوف الله ونخرج منها عائلة مسيحية نفتخر بها؟
متى جرّدنا اعيادنا واحتفالاتنا من قيمها، فقدت معناها، وأصبحت مسيحيتنا وثنية بامتياز.
حافظوا على قيم حفلات المعمودية والأعراس وحتى المآتم وإلّا بتنا الخطر الأكبر على مسيحيتنا!
أليتيا