ترأس راعي أبرشية البترون المارونية ورئيس اللجنة البطريركية المعنية بتنظيم احتفالات سنة “الشهادة والشهداء” المطران منير خير الله، قداس الاحد في كنيسة السيدة في بكركي، بسبب تعذر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من ترؤس القداس في اللحظة الأخيرة لأسباب صحية، عاونه النائب البطريركي المطران حنا علوان والمطران سمير نصار، وحضره السفير البابوي غبريال كاتشيا وعدد من الآباء، رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، قائمقام كسروان جوزف منصور وحشد من المؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى علوان عظة الراعي بعنوان “من تراه الوكيل الأمين الحكيم”(لو12:42)، وجاء فيها: “مناسبتان تجمعاننا في هذه الليتورجيا الإلهية: الأولى، بداية أسابيع التذكارات الثلاثة، فنذكر اليوم الكهنة المتوفين؛ والثانية افتتاح سنة الشهادة والشهداء في كنيستنا المارونية، التي تبدأ مع عيد أبينا القديس مارون في 9 شباط 2017، وتنتهي في 2 اذار 2018 عيد أبينا البطريرك الأول القديس يوحنا مارون. وقد أقر سينودس أساقفة كنيستنا المقدس هذه السنة لمناسبة مرور ألف وخمسماية سنة على استشهاد رهبان القديس مارون سنة 517، واستشهاد آخرين من أبناء كنيستنا، مثل البطريرك دانيال الحدشيتي سنة 1283، والبطريرك جبرايل حجولا سنة 1367، والطوباويين الشهداء الإخوة المسابكيين في دمشق سنة 1860، وأولئك الذين سقطوا من أجل إيمانهم بالمسيح في أحداث 1840 و1860، ومجاعة الحرب العالمية الأولى، والحروب اللبنانية الأخيرة”.
أضاف: “لقد وجهت رسالة راعوية بعنوان “سنة الشهادة والشهداء”، توزع عليكم في ختام هذه الذبيحة الإلهية. ونحيي سيادة أخينا المطران منير خيرالله، راعي أبرشية البترون الذي عيناه رئيسا للجنة البطريركية المعنية بتنظيم احتفالات هذه السنة وتنسيقها، ونحيي معه جميع أعضاء اللجنة. فهذه تعمل لهدفين: الاحتفال بشهدائنا المعروفين، واستذكار المنسيِين وغير المعروفين، والتقصي عنهم، ووضع لائحة بأسمائهم. نسأل الله أن يبارك أعمال هذه اللجنة، راجين أن يتمجد بشهدائه الأبرار وقديسيه.
وإذ نرحب بكم جميعا، نود الترحيب بشكل خاص بسعادة الملحق الثقافي في السفارة الالمانية في لبنان، السيد Peter Hofmann، ورابطة قنوبين للرسالة والتراث وشركة Allianz SNA بمناسبة إصدار كتاب “ألوان قنوبين”.
وتابع: “إن شهداءنا كلهم مع كهنتنا المتوفين عاشوا وكالتهم على الإيمان المسيحي، وعلى رسالة الكهنوت، “بأمانة وحكمة” وفقا لرغبة المسيح الفادي الإلهي، الشاهد بامتياز (رؤ1: 5)، والكاهن الأزلي الأسمى (عب7: 21)، وراعي الرعاة (1بطرس5: 4). ففيهم تحققت رغبته في إنجيل اليوم: “من تراه الوكيل الأمين الحكيم” (لو12: 42).
وقال: “فيما نحيي ذكرى الكهنة المتوفين، فإننا نصلي أيضا من أجل الكهنة الأحياء، كي يكونوا أمناء للمسيح الذي دعاهم وأشركهم في كهنوته؛ ومن أجل ثبات الدعوات الكهنوتية والرهبانية وتنشئتهم على روح الشهادة المخلصة والشجاعة، وعلى فضيلتي الأمانة والحكمة. ونلتمس من الله أن يرسل دعواتٍ جديدة، “فعلة في حصاده الكثير” (متى9: 37-38)، لكي نلبي حاجات أبناء كنيستنا وبناتها ومؤسساتها في لبنان والمشرق وبلدان الانتشار”.
وتابع: “الأمانة في حياة الكاهن، هي أمانته لقدسية الكهنوت وللرسالة الموكولة إليه؛ والأمانة للمسيح الذي دعاه ووكله،وللنفوس الموكولة إلى عنايته، ومحبته وسهره واندفاعه. إن الأمانة تنبع من الإيمان، وتتشدد بالرجاء، وتكتمل بالمحبة.
أما الحكمة، فهي حسن تصرف الكاهن وتعامله والقيام بالواجب وممارسةِ المسؤولية. إنها أولى مواهب الروح القدس السبع التي تنير الإيمان وتصوِب العقل نحو كل ما هو حق وخير وجمال. الحكمة عنده هي أن ينظر من منظار المسيح، لكي يؤديها كما لو أن المسيح نفسه يقوم بها، بالرغم من الضعف الشخصي والمحدودية. ما يتطلب منه اتِحادا دائما بالمسيح، وتنشئة روحية وعلمية وراعوية مستمرة، لكي يكون على مستوى التحديات اليومية”.
أضاف: “تقتضي رسالة الكاهن أن “يعطي الطعام في حينه” (لو12: 42)للنفوس خاصة المسيح التي يسميها “اهل بيته” (الآية 42). هذا الطعام يشمل مسؤوليات الكاهن الأساسية الثلاث: كلمة الله التي تولد الإيمان وتنير العقول والقلوب، ويقدِمها للجميع بالكرازة والتعليم والإرشاد والكتابة؛ تقديس النفوس بتوزيع نعمة الأسرار، وتأدية الخدم الليتورجية، وإحياء الصلاة الفردية والجماعية لدى المؤمنين، وتقويم كل مسلك أوتصرف مناف للإنجيل ولتعليم الكنيسة الرسمي الروحي والأخلاقي؛ خدمة المحبة برعاية النفوس وتكوين جماعة متحابة وموحدة ومتضامنة؛ وبالاهتمام بالفقراء والمرضى والمسنين واليتامى وذوي الحاجات الخاصة؛ وحل النزاعات بين الأزواج أو بين سواهم بالمصالحة والتفاهم.
من واجب المؤمنين أن يطلبوا هذا “الطعام”، ويسعوا إليه، ويقبلوه، ويعاونوا الكاهن في تقديمه لأبناء رعيته، من خلال المبادرات الفردية، وعبر المجالس واللجان والمنظمات الرسولية وسواها من الترتيبات الكنسية”.
وتابع: “الامانة والحكمة فضيلتان مطلوبتان من كل صاحب مسؤولية في الكنيسة والمجتمع والدولة. إن ممارستها تقتضي الأمانة لواجب الحالة والمهمة والوظيفة، وللمواطنين الذين هم “مصدر السلطات ويمارسونها عبر المؤسسات العامة” كما تنص مقدمة الدستور اللبناني (فقرة د). “فالطعام”، على هذا المستوى هو تأمين الخير العام بكل أشكاله، لأنمنه خير الجميع وخير كل مواطن.
وتقتضي ممارسة المسؤولية المدنية فضيلة الحكمة التي هي القيام بالمسؤولية من دون لوم أمام الله والناس، أعني أداءها باندفاع وتجرد من أجل الخير الشامل”.
أضاف: “إن “سنة الشهادة والشهداء” تعني أيضا وبشكل خاص المسؤولين السياسيين الذين تناط بهم السلطتان التشريعية والإجرائية. إنهم مؤتمنون على سن القوانين والتشريعات التي تخدم الشعب من دون تمييز بعيدا عن جعلها لخدمتهم الشخصية أو الفئوية أو المذهبية، كما هي الحال ويا للأسف مع سن قانون جديد للانتخابات، إذ يحاولون صياغته، من دون جدوى، منذ سنة 2005. الشهادة تقتضي منهم أن يكونوا شهودا للحقيقة والعدالة والخير العام والاندفاع في خدمة الوطن والمواطنين. والاستشهاد يقتضي منهم لا شهادة الدم، بل التضحية بمصالحهم وحساباتهم المناقضة لخير الشعب والبلاد”.
وختم الراعي: “إننا نبدأ معا مسيرة “سنة الشهادة والشهداء”، راجين أن تكون مناسبة فريدة لتجديد التزامنا المسيحي بالشهادة للمسيح، من أجل انتصار المحبة على البغض، والمسامحة على الحقد، والمصالحة على النزاع، والعدالة على الظلم، والسلام على الحرب، في وطننا وبلدان هذا المشرق. ولتكن ذكرى شهدائنا القديسين والأبرار نشيد تسبيح وتمجيد للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وطنية