ترأس المطران مارون العمار قداسا في كاتدرائية مار يوحنا المعمدان – زغرتا، في ذكرى أربعين المطران إسطفان هكتور الدويهي، عاونه المطرانان بولس إميل سعاده ومنير خيرالله ولفيف من الكهنة، بمشاركة النائب إسطفان الدويهي، أهل الراحل وممثلي هيئات اجتماعية وأبناء زغرتا – الزاوية.
بعد الإنجيل المقدس قال خيرالله في عظته:”في غياب المطران الدويهي، تخسر كنيستنا المارونية نبيا قاده الروح إلى رفع الصوت مناديا بالإصلاح الكنسي موبخا في حينه وفي غير حينه، وراعيا عمل في خدمة شعب الله بالتعليم والتقديس والتدبير على بنيان كنيسة المسيح في النكهة المارونية. والمارونية هي وطن وأرض وحرية على حد قول الأب ميشال الحايك، وهي روحانية نسكية في الحرية والتحرر والانفتاح على حد قول الأب يواكيم مبارك”.
وتابع:”وهو ونحن قد رسمنا كهنة ثم أساقفة بوضع اليد لمجد وإكرام الثالوث الأقدس ولأمان وبنيان البيعة المقدسة، كما تقول رتبة الشرطونية التي جمعها ونسقها المكرم البطريرك اسطفان الدويهي”.
اضاف:”تعرفت عن بعد إلى الأب هيكتور الدويهي في أواخر الستينيات من القرن الماضي من خلال صوته النبوي وثورته الكنسية، وأنا إكليريكي صغير في غزير، كما كنت قد تعرفت إلى الأب يواكيم مبارك من خلال محاضراته النبوية في الندوة اللبنانية، وإلى الأب ميشال الحايك من خلال عظاته المدوية في كاتدرائية مار جرجس بيروت. إنها الفترة التي عرفت فيها كنيستنا غليانا شعبيا وكنسيا تنشد من خلاله الإصلاح في روح المجمع الفاتيكاني الثاني.”
وقال:”ثم خفت صوته في السبعينيات إذ ابتعد أو أبعد عن لبنان وراح يشق له طريقا في الديار الأميركية من خلال إسهاماته العديدة في سبيل بناء الكنيسة المارونية في وجهها الأميركي عبر الإصلاح الليتورجي. لأن الليتورجيا هي الوطن الثاني للموارنة، كما كان يقول، ولأن لبنان كوطن وأرض لم يعد يتسع للموارنة، فانتشروا في العالم حاملين في قلوبهم لبنان وطنهم الروحي.”
تابع:”نحن الموارنة في العالم ليس لنا حياة إلا إذا كان عندنا ارتباط وثيق أولا بلبنان بما يمثل من قيم وعلى رأسهم الحرية ومن إرث روحي لأنه مهد إيماننا وأرض مقدساتنا ومرقد قديسينا، وثانيا بشخص البطريرك وبالمؤسسة البطريركية. وهناك تعرفت إليه عن قرب عندما أطلقت كنيستنا الأعمال التحضيرية للمجمع اللبناني الثاني، الذي سمي في ما بعد المجمع البطريركي الماروني، بسعي من الأب يواكيم مبارك، في سبيل القيام بالإصلاح والتجديد اللذين كانا قد أصبحا ضرورة ملحة للوقوف بثبات وبعد نظر في وجه التحديات الآتية في القرن الحادي والعشرين. وكنت أنا الوسيط بصفتي أمين سر المجمع”.
واضاف:”تعرفت إلى أفكاره وتطلعاته، إلى سعة علمه وشدة تعلقه بإيمانه وبتراثه الماروني وبأرضه اللبنانية والإهدنية بالذات، ونقلتها إلى اللجنة المجمعية. إلى أن جاءه خبر تعيينه مطرانا على أبرشية بروكلين في 23 تشرين الثاني 1996 في زمن بشارة زكريا، وكان في التاسعة والستين من عمره. فراح يتأمل بشخصية زكريا وبإيمانه وخدمته. وتعلم منه: أن كل شيء يتم في أوانه، أن أحكام الله هي غير أحكامنا وتدابيره هي غير تدابيرنا، أن كل شيء عند الله ممكن، هو رب المستحيلات ويجعل المستحيل ممكنا، أن الله يتسرب في تاريخ حياتنا كالسارق، ويخربط كل مشاريعنا وتدابيرنا وأحلامنا، أن الإيمان هو الأساس”.
وقال:”اتخذ شعارا لخدمته الأسقفية عبارة “ثبت يا رب” (شرر مور)، وهي مستقاة من إحدى صلواتنا الطقسية، “ثبت يا رب في قلوبنا ونفوسنا الإيمان المستقيم”، ذلك لأن عطية الإيمان هي الأساس، ولأن إيماننا نحن الموارنة عقيدة وحياة. ويشرح ذلك قائلا:باسم الإيمان قبلنا بالتضحيات والنزوحات ومسالك الجبال الوعرة، باسم الإيمان صنعنا التاريخ وعمرنا وبشرنا وربينا العائلة وحافظنا على الإخلاق الحميدة، باسم الإيمان انتصرنا على الأخطار والتجارب والغرور والضلال، باسم الإيمان عملنا بكد وأحببنا وغفرنا لمن أخطأ إلينا وساعدنا الغير، باسم الإيمان متنا ونموت، هاجرنا ونهاجر، باسم الإيمان صمدنا وعرفنا أن نقف بوجه الظالم.”
تابع:”إذا كنا، كجماعة وأفراد، كشعب بكامله، نعاني اليوم من أزمة حياتية شديدة، ذلك لأن الإيمان عندنا فقد من قوته وصفائه، وانفصلت فيه العقيدة عن الحياة، والحياة لم تعد مرتكزة على الإيمان. لقد استبدلنا الإيمان بأشياء كثيرة أخرى، منها الضلال والميول الشاذة والثأر والوجاهة والتعصب ومغريات الدنيا والآلهة الكذبة، وعبادة المال”.
وختم: “ان مسقط رأسه إهدن – زغرتا فهو يعني بالنسبة إليه كل شيء. أنا تنقلت في العالم كله، يقول، وتربيت ودرست وعشت ومارست رسالتي، وأنا بعيد جغرافيا عن مسقط رأسي. لكن إهدن – زغرتا تبقى لي كل شيء. منها أطل على العالم وعلى الناس وعلى التاريخ وعلى الله وعلى كهنوتي وعلى ذاتي. منها تلقيت الإيمان في بيت أبي وأمي وفي كنائسها ومع شعبها وضمن تقاليدها. دخل المطران اسطفان الملكوت بعد أن أفنى العمر في الخدمة الكهنوتية والأسقفية. وهو يدعونا اليوم إلى الإلتزام بعيش إيماننا بالله الآب والابن والروح وبالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية وبإبراز روحانيتنا المارونية النسكية في عالم الله الواسع حيث تنتشر كنيستنا. يصلي إلى الله من أجلنا قائلا: يا رب المجد، إني في يديك أستودع حملانا وكلتها إلي؛ كنت عنك راعيها وحاميها، والآن أنت احفظها بعد انتقالي؛ خلصها من أيدي الأشرار؛ نجها من هول الأخطار؛ وأهلني أن أشدوك الشكر في جوق الأبرار.آمين.”
وطنية