احتفل جمهور دير كفيفان حيث ضريح القديس نعمةالله الحرديني بعيده، من خلال اقامة سلسلة نشاطات، كما ترأس راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله قداسا احتفاليا عشية العيد، عاونه فيها معلم المبتدئين في الرهبانية اللبنانية المارونية الأب نجم شهوان، رئيس الدير الأب سيمون صليبا ومشاركة لفيف من الآباء والكهنة وفي حضور حشد من المؤمنين.
بعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى خيرالله عظ بعنوان “أقدس ذاتي من أجلهم ليكونوا هم أيضا مقدسين بالحق”، وقال فيها: “نجتمع اليوم في هذا الدير لنحتفل معا بعيد القديس نعمة الله كساب الحرديني، ابن أرضنا البترونية، لنرفع قلوبنا وعقولنا إلى الله ونجدد التزامنا في تلبية الدعوة إلى القداسة التي دعانا إليها بابنه يسوع المسيح. وفي ما نحن في أبرشيتنا ملتزمون بالسير معا في مجمع أبرشي يهدف إلى التجدد الروحي والشخصي والمؤسساتي نسمع السيد المسيح يدعونا إلى القداسة، هو الذي قدس ذاته من أجلنا كي نكون نحن أيضا مقدسون بالحق. هذه هي الدعوة التي سمعها يوسف كساب فلباها وتقدس بواسطتها تلميذا ومبتدئا ومعلما في مدرسة القداسة في كنيستنا المارونية التي تقدس فيها آباؤنا، من بطاركة ومطارنة ونساك ورهبان وراهبات وأباء وأمهات”.
واضاف: “نمت دعوة القديس نعمة الله في بيئة تشجع على سلوك درب القداسة في بيت كساب – حردين، تلك البلدة المعروفة بكنائسها وأديرتها ومعابدها الفينيقية واليونانية والرومانية، وفي عائلة مؤلفة من 6 أولاد، كان منهم الخوري أنطونيوس والأب أليشاع الحبيس والأب نعمة الله والراهبة مسيحية. ودخل الرهبانية اللبنانية ليتسامى فيها على درب القداسة مع شقيقه الأب أليشاع وتلميذه الأب شربل مخلوف والراهبة رفقا، في زمنٍ كان شعبه يعاني في القرن التاسع عشر من أصعب المحن في تاريخه. إذ اندلعت، بعد سلسلة من الأضطرابات الخطيرة، بين الموارنة والدروز، الفتنة المدبرة من السلطنة العثمانية المستضعفة والتي كانت تؤججها تدخلات القوى العظمى بواسطة قناصلها وسفرائها وموفديها، إلى أن فرضت على اللبنانيين نظام القائمقاميتين، أي التقسيم؛ ما فتح المجال واسعا أمام التناحر والتقاتل والضياع والفراغ السياسي، وانتهى إلى مذبحة الموارنة في الجبل العام 1860. فدفع الموارنة ثمن هذه الفتنة استشهادا للآلاف وتدميرا للكنائس والبيوت وتخريبا للأرزاق وتهجيرا للناجين من الحرب. وهذه الإضطرابات كان لها انعكاسات على الكنيسة وعلى الحياة الرهبانية. فالرهبان لم ينجوا من تلك العاصفة، يقول المثلث الرحمة المطران يوسف محفوظ في كتابه عن القديس نعمة الله. وإذا كان عدد وافر منهم قد تفادوا العاصفة، وظلوا سائرين في طريق الكمال، فهناك عدد من المكرسين قد استفادوا من الفوضى التي كانت تعم البلاد والكنيسة فأعطوا لشهواتهم العنان. فحلت البلبلة في الأديار، وسادت الروح الدنيوية فيها”. فكان أن تدخلت روما وعينت مجلسا جديدا للرهبانية وطلبت من الأب نعمة الله أن يكون مدبرا عاما، لأنه بقي مثابرا على اتحاده بالله ومتعاليا عن كل ما كان يحدث. كان يعيش الأزمة بألم شديد، صابرا على هذه المحنة التي ألمت بأبناء رهبانيته. وكان يردد لإخوته المتألمين مثله: الشاطر يلي بيعرف يخلص نفسو. ثباته في إيمانه وثقته بالله وصلاته المتواصلة كانت الأساس في النهضة الروحية في الرهبانية. لم يستسلم ولم يهرب من الدير إلى المحبسة، كما كان طلب منه شقيقه الحبيس أليشاع. بقاؤه في الدير كان عضدا لإخوته الرهبان الذين كانوا يجاهدون مثله ليتقدسوا ويقدسوا كنيستهم وشعبهم. إذ كان يعتبر أن الحياة الديرية في الجماعة هي أصعب من الحياة في المحبسة لأنها استشهاد دائم. كان الأب نعمة الله رجل الصلاة والعمل والعلم. فجمع في شخصه الصفات التي ساعدته على تقديس ذاته والآخرين”.
وتابع: “أما اليوم، وما أشبه اليوم بالأمس، نلاحظ أن شعبنا لا يزال يعاني من الاضطرابات والمحن والحروب والضياع والفراغ السياسي ويدفع ثمنها استشهادا ودمارا وخرابا وتهجيرا وهجرة. ولا تزال القوى الإقليمية والعظمى تتجاذبنا في تشابك مصالحها لتدفعنا، بواسطة سفرائها وموفديها، إلى قبول حلول غريبة عن تقاليدنا وعيشنا الواحد المشترك؛ ولا تزال كنيستنا ورهبانياتنا تعاني من بعض الضياع وبعض التراجع في التزامها المسيحي وتواجه حملات شرسة من الانتقادات. ولا نزال نحن قاصرون وغير قادرين على الاتفاق في ما بيننا على الصيغة الأنسب لحكم ذاتنا بذاتنا والحفاظ على وطننا لبنان الكبير، الوطن الرسالة، كما أراده أباؤنا وأجدادنا، مسلمون ومسيحيون، وعلى رأسهم البطريرك العظيم الياس الحويك”.
وختم قائلا: “نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أبطال وقديسين يتعالون عن كل ما يحدث ويتجردون عن مصالحهم ويتقدسون في شهاداتهم اليومية. ونحن متأكدون أنهم بيننا وأنهم يدعوننا باسم المسيح إلى القيام بفحص ضمير عميق وبفعل توبة صادق. نحن اليوم مدعوون إلى القداسة على خطى آبائنا القديسين، وبخاصة نعمة الله وشربل ورفقا والأخ اسطفان. وكل واحد منا يستطيع أن يكون قديسا، كما قال لنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني. نحن مدعوون إلى أن نقرب أشخاصنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، كما يطلب منا القديس بولس. فهذه هي عبادتنا الروحية. وأن لا نتشبه بهذا الدهر، بل أن نتحول بتجدد عقولنا لكي نميز ما هي مشيئة الله. ومشيئة الله هي تقديس نفوسنا. تعالوا نلتزم معا، في مسيرتنا المجمعية وفي عودتنا إلى جذورنا الروحانية، بتجدد عيشنا المسيحي وشهادتنا الصادقة، فنتقدس ونقدس العالم الذي نعيش فيه، بشفاعة أمنا العذراء مريم سيدة لبنان وجميع القديسين شفعائنا. آمين.”
وطنية