ترأس راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، القداس اليوبيلي للمتزوجين الذين مضى 25 أو 50 عاما على زواجهم، في الكرسي الاسقفي في كفرحي، بدعوة من لجنة العيلة في الابرشية، عاونه رئيس لجنة العيلة الخوري بطرس فرح والخوري يوحنا مارون مفرج.
العظة
بعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى خيرالله عظة بعنوان ” كما أحب المسيح كنيسته وبذل نفسه من أجلها” وقال:”بدعوة من لجنة العيلة في أبرشية البترون ومرشدها الخوري بطرس فرح نحتفل اليوم بتكريم الأزواج الذين مر على تكرسهم في الحب في سر الزواج المقدس خمس وعشرون أو خمسون سنة. إنهم هنا اليوم مع أولادهم وأحفادهم ليجددوا تكرسهم في الحب واتحادهم في الله في هذا الصرح الذي يحمل تاريخا عريقا انطلقت منه كنيستنا البطريركية مع مار يوحنا مارون إلى العالم كله، ويذكر أننا في مسيرة مجمع أبرشي أطلقناه من هنا في 2 آذار 2013 في حضور البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، بهدف التجدد وتحت شعار “على خطى مار يوحنا مارون نتجدّد ونتقدس بالمسيح”. نغتنمها فرصة لنتأمل معكم أيها الأزواج الأحباء والمختبرون في عيش الحب الزوجي أولا حول التكرس في الحب في سر الزواج كما أراده الله منذ البدء، وثانيا في دور العائلة في مسيرة المجمع الأبرشي وفي الكنيسة وفي المجتمع.”
واضاف:”سر الزواج المقدس أراده الله منذ البدء وحدة كاملة في الحب بين الرجل والمرأة بحيث يصبحان جسدا واحدا. ولأن الله محبة، “خلق الإنسان على صورته كمثاله، ذكرا وأنثى خلقهما وباركهما”، وقال:”إنميا وأكثرا واملآ الأرض”. خلقهما لعيش كمال الحب على صورة حبه الثالوثي، وقال:”لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا واحدا”. خطىء الإنسان وابتعد عن الله خالقه. لكن الله بمحبته المطلقة، عاد يعامل الإنسان بالرحمة ووعده بالخلاص، وأرسل ابنه يسوع المسيح في اكتمال الزمن ليحررنا من عبودية الخطيئة التي وقعنا فيها واستمرينا لقساوة قلوبنا. فجاء يسوع يذكرنا أنه “منذ البدء لم يكن هكذا” ، وأن مشروع الله الأصلي هو لعيش الحب الكامل بين الرجل والمرأة اللذين يتحدان في الله ويتكرسان في الحب وفي خصب العطاء الذي من خلاله يشتركان مع الله في عمل الخلق عبر إيلاد البنين والإسهام في استمرارية الخليقة، ويدخلان في سر الحب الإلهي، السر الذي ينبثق منه كل حب حقيقي.”
وتابع قائلا:”وهذا الحب الإلهي جعل يسوع المسيح الإبن يبذل ذاته على الصليب في سبيل خلاص البشر ويصبح بالنسبة إلينا قدوة ونموذجا. ما سمح للقديس بولس بأن يشبه الحب الذي يتعاهد عليه الزوجان “بحب المسيح لكنيسته التي بذل نفسه من أجلها”، إذ يكرسان حياتهما لعيش هذا الحب بتكامل واحترام متبادل وعطاء كلي حتى بذل الذات.
وتعلم الكنيسة أن “الزواج هو شراكة حب وحياة” (الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء عدد 48)، وأن “الحب الزوجي الحقيقي يتطلب عطاء الذات المتبادل” (عدد 49). لقد غمر يسوع المسيح بالبركات، هذا الحب الصادر عن ينبوع المحبة الإلهية جاعلا إياه صورة لاتحاده بالكنيسة. فيسوع يلاقي الأزواج المسيحيين في سر الزواج ويبقى ويثبت معهم ليستطيع الزوجان بعطائهما المتبادل أن يحب واحدهما الآخر بأمانة ثابتة، كما هو نفسه أحب الكنيسة وبذل ذاته لأجلها. وانهما إذ يتممان رسالتهما الزوجية والعيلية بقوة هذا السر يبلغان أكثر فأكثر كمالهما الشخصي ويلبيان دعوة الله لهما إلى القداسة” كما يعلم المجمع الفاتيكاني الثاني، (فرح ورجاء، عدد 48).”
وتناول دور العائلة في مسيرة مجمعنا الأبرشي في كنيسة البترون فهو هام ومفصلي، لأن العائلة هي النواة الأساسية في بناء الكنيسة والمجتمع بهدف تحقيق ملكوت الله بين البشر. “فالعائلة هي الكنيسة البيتية الكنسية الصغرى، وهي مدرسة الحب، والموقع الأول للشهادة المسيحية والرسولية”، كما يقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي رجاء جديد للبنان. واذا كان مجمعنا يهدف أولا وآخرا إلى التجدد وإلى القداسة، فإن العائلة هي المسؤولة الأولى عن إطلاق نهضة روحية تهيء إلى تجدد على كل المستويات. فهي مدرسة الإيمان والمسؤولة عن إعلان البشارة وعن التربية على القيم والأخلاق المسيحية والإنسانية.”
واشار الى أن “التحديات التي تواجه العائلة في لبنان وفي أبرشيتنا البترونية هي متعددة وضاغطة بحيث تؤثر على التزام الزوجين في تكرسهما وفي تضحياتهما لبناء مستقبل أولادهما. هذه التحديات تنبع من تفاقم الأزمات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والدينية والأخلاقية وتتجلى في الفساد المستشري في المجتمع، وفي ارتفاع مستوى الفقر بين اللبنانيين، وفي عجز عائلات كثيرة عن تأمين عيش كريم وتعليم وطبابة وعمل وسكن لأولادهما، وفي النزوح من الجبال إلى المدن، وفي الهجرة بحثا عن فرص العمل”.
وتابع:”لكن التحدي الأخطر يكمن في الخوف على فقدان القيم، وبخاصة القيم التي ميزت تاريخ كنيستنا وشعبنا، أي:الإيمان بالله والالتزام بالكنيسة والحياة الروحية والعلاقة الوثيقة بالأرض، الحرية والكرامة والتضامن والتعاون، حب الثقافة والعلم والانفتاح واحترام التعددية. هذا الوضع يهدد عائلاتنا بالتفكك ومجتمعنا بالانهيار. لكننا لسنا خائفين طالما أن عائلاتنا واعية لمسؤولياتها، وطالما أن لجنة العائلة في أبرشيتنا تبذل الجهود الكبيرة في مرافقة الأزواح في مواجهة تحديات المجتمع، ومرافقة المقبلين على الزواح في تحضير زواجهم ليكون التزاما مسيحيا ووطنيا وتكرسا في الحب حتى بذل الذات، وفي خلق إطار خاص بالمتزوجين الجدد لتشجيعهم على الاستمرار في تكرسهم وفي بذل ذواتهم من أجل بناء العائلة.”
وتوجه الى الأزواج المكرمين و”منكم من أتى من بعيد، تجتمعون اليوم لتجددوا أمام الله وأمام الكنيسة عهد الحب الذي قطعتموه يوم قلتم نعم لسر الزواج المقدس وتعاهدتم أن تعيشوا حبكم الزوجي في الأمانة والديمومة والخصوبة. وأنتم لا زلتم مستمرون في عيش هذا الحب وفي تكريس ذواتكم لخدمة عائلاتكم وكنيستكم ووطنكم. وقد نقلتم هذا الإيمان وهذا الالتزام إلى أولادكم عبر شهادتكم في عيش القيم المسيحية والإنسانية. ودعاهم إلى تأدية شهادة التكرس في الحب أمام الذين يحتاجون إلى الحب الحقيقي. أنتم مدعوون إلى تجديد حبكم وإلى تشجيع العائلات التي تتأسس في سر الزواج على تلبية دعوة الله إلى القداسة وتربية عائلة تعطي قديسين.”
وختم داعيا الى ان “نصلي معا، على أبواب دخول أبرشيتنا في السنة الثالثة والأخيرة من مسيرة المجمع الأبرشي ومشاركة كنيستنا المارونية في الجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة في روما حول “دعوة العائلة ورسالتها في الكنيسة وفي العالم المعاصر”، طالبين من الله، بشفاعة أمنا العذراء مريم، أن يبارك عائلاتنا كي تكون على صورة العائلة المقدسة تعيش التكرس في الحب وتقدس المجتمع.”
بعد القداس، قدم خيرالله وفرح ايقونة العائلة لكل زوج وزوجة.
وطنية