وطنية – البترون – أحيت منطقة البترون عيد الميلاد بقداديس وصلوات عمت الكنائس والأديرة. وقد ترأس راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله قداس منتصف الليل في كاتدرائية مار اسطفان، وقداس العيد في الكرسي الأسقفي في كفرحي، وألقى عظة قال فيها: “في ميلاد 2014، نسمع ملاك الرب يبشرنا، كما بشر يوما الرعاة الذين كانوا “يبيتون في البرية ويتناوبون السهر في الليل على رعيتهم”، قائلا لنا: “لا تخافوا! ها إني أبشركم بفرح عظيم يكون للشعب كله، لأنه ولد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب في مدينة داود”. تستوقفنا هذه البشرى لأنها، من ناحية أولى، تفاجئنا في أيام لا نعرف فيها الفرح وتسود فيها الحروب والإضطهادات والإحتلالات والظلم والانتقام والقتل باسم الدين، ومن ناحية ثانية، لأنها تدخلنا في سر الله المولود إنسانا. إنه سر الله الذي أراد، من فيض محبته للانسان، أن يتأنس ليتأله به الإنسان، كما يقول آباء الكنيسة. إنه سر ابن الله الذي صار ابن الإنسان لكي يتسنى لكل إنسان أن يصبح إبنا لله. تبنى الله إنسانيتنا الضعيفة والخاطئة ليحملها معه على دروب أرضنا ويقدمها على الصليب قربانا لله الآب بالروح القدس ويموت فيها وعنها ليخلصها ويعطيها الحياة الجديدة بقيامته”.
أضاف: “في تمام الأزمنة، دخل ابن الله التاريخ والجغرافيا بعد أن اختار له شعبا ونسلا وعائلة وأرضا ليولد إنسانا حقا ويحقق الوعد الذي قطعه الله لشعبه بإبراهيم. ولكنه تخطى مقولة الشعب المختار والنسل والعائلة والأرض لكي يتبنى البشرية كلها ويدعوها إلى الخلاص وإلى الحياة. أحب الإنسان، كل إنسان، إلى أي عشيرة أو عائلة أو ديانة أو حضارة انتمى. هذا ما حاول أن يشهد له الإنجيليون وهم يكتبون أناجيلهم: ولد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام هيرودس الملك يقول متى؛ وفي أيام كان أغسطوس قيصر أمبراطورا في روما وقيرينيوس حاكما على سوريا، ولد يسوع في اليهودية، في مدينة داود التي يقال لها بين لحم، يقول لوقا. لم يؤمن به شعبه وأبناء سلالته مع أنهم كانوا ينتظرونه، بل آمن به الرعاة المنبوذون في إسرائيل، ومجوس قادمون من المشرق، من بلاد فارس ليسجدوا لملك اليهود. لكن الملك هيرودس إضطرب لهذا الخبر واضطربت معه أورشليم كلها. فجمع عظماء الكهنة وكتبة الشعب كلهم واستخبرهم أين يولد يسوع. فقالوا له: في بيت لحم اليهودية. فدعا المجوس سرا، لأن المتسلط والخائف على سلطته يتعاطى السياسة سرا وتحت الطاولة، وتحقق منهم، ثم أرسلهم إلى بيت لحم قائلا: إذهبوا فابحثوا عن الطفل بحثا دقيقا، فإذا وجدتموه فأخبروني لأذهب أنا أيضا وأسجد له؛ ونيته كانت أن يقتله ويلغيه من الوجود كي لا يكون له منافسا. ولما رأى هيرودس أن المجوس سخروا منه، استشاط غضبا وأمر بقتل كل طفل في بيت لحم وجوارها، من ابن سنتين فما دون. أما يوسف، وبوحي من ملاك الرب، قام وأخذ الطفل وأمه ليلا ورحل إلى مصر. وأقام فيها إلى أن مات هيرودس”.
وتابع: “خربط يسوع بولادته كل الحسابات السياسية في التاريخ وكل تقسيم الحصص في الجغرافيا، إذ اتخذ لها مسرحا لا بيت لحم اليهودية فقط، بل كل مساحة الامبراطورية الرومانية التي كانت تحكم بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط غربا وشرقا حيث كانت شعوبها ترزح تحت نير الإحتلال وتتمنى أن تتحرر، وهي تدفع الثمن بمقتل أبنائها وأبريائها وتتأرجح بين السلطتين المستضعفتين الفارسية والفرعونية. هذا في الأمس؛ أما اليوم، وما أشبه اليوم بالأمس، فولادة يسوع تخربط حسابات القوى العظمى على مساحة الكون وتفشل اتفاقاتها السرية، بينما ظهر هيرودس جديد، الخليفة البغدادي في دول داعش، يتحدى كل الحكام والدول. وراح يأمر بقتل الأطفال والكبار والجنود وبحجز النساء وبتهجير الذين لا يعلنون إسلامهم. كل ذلك باسم الدين، والدين منه براء. وبين القوى العظمى وحساباتها وقوى التطرف على أرض الواقع، لا تزال الشعوب المغلوب على أمرها في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان تدفع الثمن دون أن تحصل على حرية تقرير مصيرها وعلى السلام المنشود”.
وأردف: “في خضم هذه الأحداث، يولد يسوع من جديد سنة 2014، ويبشرنا ملاك الرب بالفرح العظيم. فهل نؤمن بهذه البشرى كالرعاة الفرحين الذين “جاءوا ورأوا وفرحوا” وصاروا بدورهم مبشرين بالفرح العظيم؟ أو كالمجوس المغبوطين الذين رأوا نجمه في المشرق وجاءوا ليسجدوا له؟ هل نجرؤ على نقلها أولا إلى شعبنا البتروني وأبناء كنيستنا، ونحن في مسيرة مجمعية نحاول إعادة اكتشاف هويتنا وأهمية أرضنا المقدسة؟ وهل نجرؤ ثانيا على تخطي إنتمائنا وخصوصياتنا للانفتاح على شعوب العالم حيث ينتشر إخوتنا وأبناؤنا؟ هل نجرؤ على أن ننفتح على شعوبنا، في لبنان وسوريا وفلسطين وإسرائيل والعراق وتركيا ومصر، التي تعاني من حروب عبثية وهي تتوق إلى الحرية والعدالة والسلام؟ هل نجرؤ على أن ننقلها إلى إخوتنا المسيحيين المشرقيين الذين يقتلعون من جذورهم ليتشتتوا في أربعة أقطار العالم؟ هل نجرؤ على أن ننقلها إلى إخوتنا اليهود والمسلمين، وجميعنا أبناء إبراهيم، لندعوهم إلى عيش الأخوة والمحبة والسلام”؟
وختم: “لنتأمل سر خلاصنا هذا هاتفين: ما أعجبك يا الله. صرت إنسانا ولما تبرح أنت الإله. بميلادك أقمت السلام بين السماء والأرض. بميلادك أنقذتنا فكان الرجاء الصالح لبني البشر. بميلادك تقارب الأبعدون والأقربون واشتركوا في عيدك معا. تعالوا نتقارب ونتحاور ونتعاون لنبني معا السلام. سلام الله لا سلام البشر”.