أقامت رابطة الأخويات في إقليم البترون، وجريا على العادة السنوية في ذكرى الاستقلال وذكرى تطويب رفقا، قداسا احتفاليا في دير مار يوسف جربتا حيث ضريح القديسة رفقا، ترأسه راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، بمشاركة المطران بولس اميل سعاده ومعاونة مرشد الأخويات في إقليم البترون الخوري يوحنا مارون مفرج، ولفيف من الآباء والكهنة.
حضر القداس، رئيس رابطة الأخويات في لبنان غطاس نخله، رئيسة إقليم البترون دعد شلالا، رئيس إقليم البترون في رابطة كاريتاس سعيد باز، رؤساء أخويات وأعضاء، وممثلو الحركات الرسولية في المنطقة.
العظة
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى خيرالله عظة قال فيها: “المناسبة التي تجمعنا اليوم تدعونا للعودة الى ذاتنا والى الله، لأننا أولا تعودنا أن نلتقي في مثل هذا اليوم وفي هذا المكان بالذات، منذ 30 عاما منذ العام 1985، مع الاخويات لاستعادة حياة رفقا وامثولتها في حياتنا اليوم، وفي عيد الاستقلال بالذات حتى أولا نتحمل مسؤولياتنا وثانيا لأن المناسبة هي اليوبيل المئوي لوفاة القديسة رفقا، وهذه المناسبة تعيدنا الى التاريخ، وتاريخنا يعلمنا أمورا كثيرة، وثالثا لأننا أصبحنا في منتصف مسيرة المجمع الابرشي التي بدأناها منذ عام. كل هذه المناسبات تدعونا للتوقف عند حياة رفقا ونتخذ منها الامثولات والعبر”.
وتناول حياة رفقا “التي عاشت وتقدست في العالم وخارج العالم، لأن حياتها انقسمت الى مرحلتين: مرحلة العمل في العالم والالتزام ومرحلة البعد عن العالم في حياة النسكية. عاشت رفقا في العالم ومنذ طفولتها فقدت والدتها وبدأت تتخطى المحن وتحمل الصليب ثم عادت ودخلت الى رهبنة جمعية المريمات التي أسسها الآباء اليسوعيون في بكفيا وراحت تخدم العالم ومجتمعها في التربية والتعليم. وتنقلت في أمكنة عدة لكي تربي وتعلم، وكان بالنسبة اليها المعلم الوحيد والاوحد يسوع المسيح. فحملت حياة المسيح مثالا لها تبشر بها بشهادتها يوميا في المدارس وفي المجتمع الذي عاشت فيه.”
وذكر “بأهمية التاريخ إذ ان رفقا عاشت هذه الرسالة التربوية وخاصة بين عامي 1840 و1861 عندما كان شعبنا وكانت كنيستنا وإخوتنا الموارنة يتعرضون للحرب وللمذابح خصوصا في الجبل سنة 1860 حين كانت تخدم في دير القمر. واضطرت الى أن تخبىء في ردائها أحد الاطفال الذي كان ملاحقا من الجنود الاتراك ليذبحوه كغيرهم من الذين كانوا يذبحون. عاشت إذا أزمة شعبها في أقوى مراحل المحن والصعوبات وعرفت كيف تقدم ذاتها خدمة لشعبها ولوطنها وكانت مثالا وقدوة. وبعد ذلك بسنوات كانت تعلم في معاد ومن معاد ابتعدت عن كل ما في هذا العالم لكي تكتشف دعوتها النسكية فأوحى لها الله بأن تكون راهبة نسكية من الراهبات المتوحدات الراهبات اللبنانيات في دير مار سمعان القرن، وهناك عاشت بعيدا عن العالم وهي لا تزال في العالم كما يقول السيد المسيح لرسله وتلاميذه، عاشت دعوتها النسكية لكي تعود الى ذاتها والى ربها وتصلي وهي بعيدة عن العالم، تصلي لشعبها ووطنها وأبناء كنيستها ثم أتت الى هذا الدير الذي أسسته لكي تطلق من هنا من هذه الارض المقدسة عودة النسكية لكنيستنا. وأسست هذا الدير ومع أخواتها الراهبات انطلقت في رسالة جديدة. كانت كنيستنا وكان شعبنا وكان وطننا في حاجة اليه. ثم طلبت من السيد المسيح أن تحمل الصليب معه وأن ترافقه على درب الجلجلة، فأعطاها المسيح أن تشاركه في آلامه وتألمت في عينيها وجسدها الى أن أصبحت عمياء بالكامل ومفككة الاوصال، لكن روحها بقيت تنفح قداسة ليس فقط في هذا الدير ومع أخواتها الراهبات، بل ايضا في منطقتنا في جبيل والبترون وفي كل لبنان”.
اضاف: “أما اليوم وفيما نحن نحتفل باليوبيل المئوي على وفاتها، وفيما نحن في مسيرة مجمعية في أبرشيتنا تهدف الى التجدد الروحي والتجدد في الاشخاص وفي المؤسسات، وفيما نحن نحتفل اليوم بعيد استقلال لبنان، نحن مدعوون الى أن نتخذ من حياة رفقا أمثولات كثيرة:
أولا: نحن مدعوون في هذا العالم أن نلتزم بالعيش المسيحي في مجتمعنا اليوم وفي مجتمعاتنا وبلداننا، التي تعاني من الحروب ومن العنف والحقد والبغض والكراهية ومن التعصب الاعمى، الذي لا يعترف به أي دين لا مسيحي ولا اسلامي. وفيما نحن نواجه كما واجهت رفقا الازمة ذاتها مدعوون الى ان نواجه بالصلاة والايمان بالمحبة والتضامن بين بعضنا البعض، أن نواجه برجائنا بالمسيح الذي هو أقوى من كل شر”.
ثانيا: نحن نعيش في العالم لكننا مدعوون اليوم، لأن رفقا تدعونا، الى أن نبتعد ولو قليلا عن هذا العالم اليوم وكل ما فيه لكي نعود الى ذواتنا والى ربنا، فنحن نحمل إرث كنيستنا في دعوتها النسكية حتى ولو كنا في العالم، نحن مدعوون أن نبتعد عنه وأن نعود الى تراث روحانية كنيستنا في مقوماتها النسكية، أي في البعد عن العالم حتى ولو كنا فيه، الابتعاد عنه في الصلاة، في الاماتة والتقشف، في السهر والابتهال الى الله وفي التعلق بالارض التي نحن منها واليها لأنها ارض مقدسة. نحن مدعوون مع رفقا أن نحمل الصليب بفرح وايمان ورجاء كما حملته رفقا. فالصليب هو مرافق للمسيحيين، مرافق لكنيسة المسيح، ومرافق لكنيستنا منذ نشأتها. فالمسيح يقول لنا اليوم كما كل يوم: من لا يحمل صليبه ويتبعني فهو لا يستحقني”.
أضاف: “نحن مدعوون الى ان نحتفل بعيد استقلال وطننا لبنان، هذا الوطن الرسالة، رسالة في المحبة والمصافحة والسلام، في الانفتاح واحترام الانسان وفي احترام التعددية. هذا الوطن الرسالة الذي استقل بحرية وكرامة ابنائه جميعا، مسلمين ومسيحيين، نحن مدعوون اليوم الى ان نجدد ايماننا بهذا الوطن الرسالة وان نجدد انتماءنا اليه وان نجدد الدفاع عنه لأنه وطن رسالة كان وسيبقى، نموذجا للعالم كله حتى ولو قيل لنا ان الاستقلال اليوم ليس بحقيقة، نحن نقول للجميع بخاصة اخوتنا المسيحيين والمسلمين اللبنانيين، نقول لهم إن هذا الوطن ثمرة تضحيات آباء وأجداد لنا سيبقى كما كان لنا ولاولادنا ولاجيالنا الطالعة، سيبقى رسالة”.
وختم داعيا الى “عدم الخوف، فبعد ان تعبر موجة العنف والحروب والتعصب الأعمى، نحن سنبقى ولبنان سيبقى، وما علينا فقط هو أن نقبل بمواجهة التحديات، كما قبلت رفقا من قبلنا وكما قبل شربل ونعمة الله والأخ اسطفان وغيرهم القديسون من قبلنا، نواجه بثبات وإيمان ورجاء لأننا نعرف أننا مع المسيح نحن منتصرون وليس لنا من مخلص سواه. على خطى مار يوحنا مارون وجميع قديسينا نحن نتقدس ونتجدد بالمسيح. هذا شعار مجمعنا الأبرشي وعليه سنعيش مسيرتنا معا ولنا أيضا سنوات وسنوات لكي نلتزم معا. وأنتم أبناء وبنات الأخويات في أول المسؤولين عن هذه المسيرة مع كهنتنا، خدام رعايانا، بتضحية ومحبة وعطاء، فالكنيسة هي نحن جميعا، ليست فقط المطران أو الكهنة والرهبان والراهبات، الكنيسة هي نحن جميعا لأننا أعضاء في كنيسة المسيح منذ أن تعمدنا باسم الآب والابن والروح القدس، وعلينا أن نحمل معا مسؤولية التجدد في أبرشيتنا وفي كنيستنا المحلية وفي كنيستنا في لبنان” .
وطنية