هذه ليست المرة الأولى يفجّر تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) ديراً مسيحياً، والأرجح انها لن تكون الاخيرة في المناطق التي يسيطر عليها. ولا يختلف الوضع مع الاثار القديمة كما سبق له أن فعل في متحف الموصل نهاية شباط 2014 أو مع المعالم الاسلامية، إذ نسف التنظيم جامع النبي يونس نهاية تموز من العام نفسه. ودمّر أكثر المزارات الايزيدية.
ومع ذلك، يبدو نسف دير مار إيليّا التاريخي أخيراً مؤلماً ويتخذ طابع التنكيل اكثر منه عملية تصب في اطار “المعايير الشرعية” الكارثية التي يتبناها التنظيم. ولعله يأتي من باب تنفيس الغضب الناجم من خسائره الاخيرة في الرمادي ومناطق أخرى. ويعزز هذه النظرية ان الدير يخضع لسيطرة “داعش” منذ أكثر من سنة ولم يدمّر.
وقال الصحافي المسيحي ظافر نوح لـ”النهار”، إن دير مار ايليا التاريخي يقع في وادٍ جميل جنوب غرب الموصل، وتحديداً جنوب معسكر الغزلاني. وكان ذلك يحول دون ذهاب العائلات اليه نتيجة تمركز الجيش في المنطقة. وفي حدود عام 2001 سمحت الحكومة بزيارات محدودة له. وأكّد ان الدير لم يشهد صلوات أو قداديس بسبب بنائه القديم.
أما المصادر التاريخية فتفيد ان الدير اسّسه إيليا الحيري العبادي في القرن الأول للهجرة، السابع للميلاد (610)، وان كل غرفه كانت منقوشة، ولذلك سمي “الدير المنقوش” ويسمى أيضاً دير سعيد، نسبة الى سعيد بن عبدالملك بن مروان الذي جدد بناءه عام 708، بعد شفائه من المرض.
وتشير مصادر أخرى الى ان أبو عثمان الخالدي أحد شعراء الإمارة الحمدانية في الموصل نظم قصيدة للدير جاء في أحد أبياتها:
“يا حُسنَ دير سعيد إذ حللتُ به
والأرض والرَّوض في وشي وديباجِ”.
وفي بعض المرويات الشعبية في الموصل أن لتراب دير ايليا “خاصية دفع أذى العقارب”. لكنها ويا للأسف لم تحل دون “عقارب داعش”.
تاريخياً تعرض الدير لعملية هدم على يد الملك الفارسي طهماسب بعد حملته على الموصل عام 1743. والدير مهجور منذ عقود طويلة، وقد تولّت القوات الاميركية صيانته واعادة اعماره عام 2008.
ويأتي تدمير الدير بالتزامن مع حملة يقوم بها “داعش” ضد الممتلكات المسيحية في الموصل، حيث باع نحو 500 وحدة سكنية لمواطنين مسيحيين في مزاد علني لتغطية ضائقته المالية.
النهار