تحقيق بديعة منصور
وطنية – في محافظة عكار، عشرات دروب المشي التي تتفاوت في الصعوبة والمستويات، والتي تعمل مجموعة “درب عكار” على تحديدها وتنظيفها واعادة تأهيلها وتحفيز هواة المشي في الطبيعة لزيارتها والتعرف اليها، تشجيعا على السياحة البيئية.
الوجهة في عطلة نهاية الاسبوع كانت نحو الدرب الاصعب في سلسلة الدروب هذه، درب “باب وادي جهنم – غابة القلة” اعالي عكار، ومن اسمه المرعب يتضح بعضا من صعوبته، الا ان روائع الجمال ساكنة في كل ركن من اركانه.
من عين الدبة في اعالي بلدة مشمش ومن ارتفاع 1850 متر عن سطح البحر، انطلق المشاركون العشرة نحو باب وادي جهنم، ويعرف بهذا الاسم لأنه واحد من اعظم وديان لبنان ينهض من هنا ليكمل طريقه نزولا راسما اروع المناظر وأشدها رهبة وهيبة، وبين أشجار اللزاب والأرز المعمرة سارت الرحلة بين الينابيع المبعثرة في ارجاء الوادي وصولا الى اضخمها وهو نبع الدلب الذي ينطلق فجأة من تحت اقدام اشجار الدلب الهائلة الحجم ويبدأ هديره بإثارة الصخب في ارجاء الوادي.
وبعد ان تزود المشاركون بالمياه الخفيفة الباردة من عين المشلة على ارتفاع 1200 متر، بدأوا رحلة الصعود الصعب نحو غابة القلة حتى ارتفاع اكثر من 1800 متر عن سطح البحر، ولهذه الغابة المذهلة سحرها الخاص، فهنا احجام الارز هائلة تصل احدها لاكثر من 34 مترا، لتجعل مثيلاتها اقزاما بجانبها، وهنا ايضا الارز الطائر المتشبث بالصخور والذي يشرف على وادي عميري مع فارق ارتفاع قد يصل لـ1000 متر، مناظر غاية في الروعة والجمال تكاد لا توصف ولم تكن لتصدق لولا العدسات التي راحت تسرح يمينا ويسارا لالتقاط صورة.
إثر النزول من غابة القلة نحو وادي حقل الخربة (ارتفاع 1000 متر تقريبا) بدأ الجزء الاصعب من الرحلة فوق الصخور المتكسرة نتيجة عوامل التعرية والمعرفة شعبيا بزواريب البحص، هنا ومع كل دعسة قدم تنزلق الحجارة وتجعل من التنقل بطيئا للغاية، ومع اغصان الشجر الكثيفة التي اقفلت الدرب كانت الاستعانة بأدوات القص والتشحيل امرا لا بد منه لإعادة فتح الدرب مجددا، ومع وجود بعض الانهيارات الصخرية على الدرب تمت الاستعانة بالحبال لتجاوز بعض العقبات، وبعدها استمر المسير حتى الساعة التاسعة ليلا على ضوء القمر وصولا الى منطقة العيون في جرد مشمش على ارتفاع 1650 متر، لتكون واحدة من اجمل المغامرات واروعها وسط اكثر الدروب غنى وتنوعا.
تقول لورا مصروعة، وهي الفتاة الوحيدة التي اصرت على خوض هذه التجربة: “ان هذه المغامرة هي اصعب واجمل ما خاضته في حياتي، ورغم ان امتحاناتي الجامعية بعد يومين، الا انني قررت منح نفسي جرعة من المغامرة والهواء النظيف بعيدا عن ضغط الدراسة، صحيح انها المرة الاولى التي امشي فيها لهذه المسافة وبهذا المستوى الصعب الا انني تحديت نفسي واستطعت الانتصار، واعتبر ان ما قطعته هو انجاز لي والحماس والاندفاع الذي اكتسبته ودعم الفريق لي يجعلني ارغب بان أعيده مرة ثانية لا بل وان اخوض ما هو اصعب منه”.
جو عيسى من تنورين يقول معبرا، “انا كنت دليلا جبليا سابقا وأنا معتاد على المشي لمسافات طويلة ومستويات صعبة، ولكن مشوار الامس كان جميلا وفريدا من نوعه، لأن المجموعة كانت مميزة وعلى قلب واحد والاعضاء كافة كانوا يقدمون الدعم الجسدي والمعنوي لبعضهم، واشكر فريق الارشاد الذي قدم معلومات جميلة ورائعة، صحيح انني منذ فترة لم امش هكذا مسافة، ولكنني مشيتها دون معاناة وشعرت ان المحيط والطبيعة المحيطة يمنحاني قوة وحيوية، ونشكر درب عكار على هذه المغامرة، وادعو الجميع للعودة للمشي في الطبيعة وتحديدا في طبيعة عكار الغنية”.
وأوضح محمد الماروق أنها “المرة الثانية التي امشي فيها هذا الدرب وللسنة الثانية على التوالي مع درب عكار، واشعر انني اشاهد هذه المناظر للمرة الاولى، مسافة 25 كلم ليست بالمسافة السهلة ابدا، والدرب وبالرغم من وعورته الا انه يضعنا في تحد حقيقي مع الذات وتجربة تشعرنا بروح المغامرة ونكهتها”.