لا تندرج جميع مقالات الصحف والمجلات الأجنبية ضمن خانة “المجاني”، ويتطلب تصفحّها اشتراكاً مدفوعاً يختلف بين موقع وآخر. لكن الفنان والناشط الإيطالي باولو سيريو أحبّ أن يعبث بهذه المعادلة، ويضع حدّاً لخيبة أمل كلّ متصفّح يواجه عبارة “اشترك لقراءة المزيد”.
يقوم مشروع سيريو على قرصنة عشرات آلاف المقالات غير المجانية، من أبرز الإصدارات العالمية مثل «وول ستريت جورنال»، و«ذي إيكونوميست»، و«فاينانشال تايمز»، وتقديمها بشكل مجانيّ للقراء على موقع ٍ إلكترونيٍّ ومطبوعةٍ بعنوان “دايلي بايوول”.
يذهب المقرصن الإيطالي ومصمم المواقع الإلكترونيّة أبعد من وهب «المسروقات»، فيوزّع دولاراً عن كلّ مقال قرأه المتصفّح/ وأجاب بشكل صحيح على السؤال المرفق. كما يتيح التبرع لصالح كاتب المقال أو للمشروع.
يريد سيريو عبر مشروعه الذي انطلق في 20 كانون الأوّل/ ديسمبر، أن يختبر تغيير النظم السائدة، ويفسّر رؤيته عبر موقعه الإلكتروني: “ماذا لو عكسنا مبدأ بيع المعلومات لتحقيق الأرباح ووجّهناها لأغراضٍ تعليميّة من خلال دفع المال إلى القرّاء للوصول الى الأخبار وفهمها؟ إنّ إعادة توزيع المعلومات بشكل إبداعي هو العمل الفنّي والسياسي الوحيد الذي يمكن أن يحدث تحوّلاتٍ كبيرة في المجتمع”.
وفي حديث لموقع “فايس” يؤكّد سيريو: “يجب أن تكون المعلومات مجانيّة وفي متناول الجميع، لأنّ الحصول عليها يعزز الديموقراطية، خاصة أن الإعتبارات المادية تفسد الاقتصاد العالمي والسياسة»، ويضيف:«هل من المنطقي ربط المعرفة بإشتراكات مدفوعة على بعض المواقع في حين أنّ المعلومات متاحة بشكل مجانيّ على مواقع أخرى؟”.
تلك المبادرة الجريئة لم تصمد أكثر من أربعة أيام، وتمّ إيقاف الموقع بسبب شكوى مقدّمة من صحيفة “فاينانشال تايمز”، بتهمة انتهاك حقوق الطباعة والنشر، ولم يبق سوى النسخ المطبوعة والموزعة في نيويورك.
قد يرى البعض في هذا المشروع مغامرةً عابرة لشخصٍ يحاول أن يضايق بعض الصحف العريقة، لكنّ المشروع ليس يتيماً في مسيرة سيريو، وما يروّج له من أفكار حول خلل النظم العالميّة على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والمعرفيّ ليس مجرّد طرحٍ نظريّ. فصاحب الخلفية الأكاديمية في الفن وتاريخ المسرح والخبرة المهنية في تصميم وتطوير المواقع الإلكترونية، خرق «السيستم» غير مرّة.
إحدى محاولاته حملت عنوان «غوغل ستأكل نفسها»، وارتكزت على تأسيس مواقع إلكترونية تستخدم برمجيّات أوتوماتيكية، فقط للنقر على إعلانات «غوغل»، بهدف جني العائدات التي تدفعها الشركة العملاقة لقاء الولوج الى إعلاناتها المنتشرة على أيّ موقع إلكتروني. عائدات هذه العملية تخصّص فيما بعد لشراء أسهم من «غوغل» وإعادة توزيعها على مستخدمي الإنترنت. من خلال هذه المعادلة يكون سيريو قد سرق الأموال من شركة «غوغل» عبر النقر المتعمّد على الإعلانات، واشترى بالأموال أسهماً من الشركة المسروقة نفسها، ومن جهتها تكون «غوغل» قد دفعت من جيبها الخاص لقاء بيع أسهمها، بدل أن تجني الأموال. لكن سرعان ما ردّت «غوغل» على الخدعة بإغلاق عدد من مواقع سيريو.
الردود على حملات سيريو لم تكن سلميّة في كلّ الحالات، فقد تعرّض للملاحقة القضائية عندما عرض للبيع وبتسعة وتسعين سنتًا فقط شهادات إنشاء شركات، تمّت قرصنتها من الموقع الإلكتروني لحكومة جزر كايمان التابعة للمملكة المتحدة. هذه الجزر تعدّ جنّة ضرائبيّة للشركات وكبار رجال الأعمال، لكن سيريو أراد أن يكسر احتكار القوى الإقتصاديّة ويتيح الفرص الإستثماريّة لأفراد عاديين.
نشاطات سيريو إمتدّت الى موقع «أمازون»، حيث خرق قسم الكتب ووزّعها مجاناً على المستخدمين، كما أثار مسألة الخصوصية على «فايسبوك» وبرهن أنّه يستطيع سرقة ملايين الصور لاستخدامها في مواقع أخرى، ولفت النظر أيضاً إلى إنتهاك خصوصيّة المارة عبر خدمة «غوغل ستريت فيو»، فرسم صور المارّة التي يراها المستخدمون بالحجم الحقيقي على الطرقات في عدد من المدن.
هذه المشاريع مجتمعة وغيرها من مبادرات باولو سيريو تشكّل خطوة أولى وحافزاً لتغيير نُظُمٍ عالمية نظنّ أنّ إختراقها مستحيل، وقد تكون مجرّد ضجيجٍ يعكّر رتابة الأعراف المسلّم بها، أو إستفزازاً عابراً للأقليّة التي تحتكر المعرفة والثروة والسلطة. لكنّ سيريو أثبت أن باستطاعة أي شخصٍ يمتلك حاسوباً وموهبة، إحداث تغيير ما في «السيستم» أو بالحدّ الأدنى إزعاج القائمين عليه.
جوزيت أبي تامر / السفير