احتفلت جامعة القديس يوسف في بيروت بعيد شفيعها على مدرج جان دوكروييه اليسوعي – حرم العلوم والتكنولوجيا في الدكوانة – مار روكز، وبدأ الاحتفال بقداس ترأسه رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش وعاونه فيه الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الشرق الأدنى والمغرب الأب داني يونس اليسوعي، نائب رئيس الجامعة البروفسور ميشال شوير اليسوعي، وشارك فيه ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المطران بولس الصياح، السفير البابوي جوزف سبيتاري، راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعها للروم الكاثوليك المطران جورج بقعوني، ولفيف من الآباء، وخدمته جوقة جامعة القديس يوسف.
حضر القداس ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب ميشال موسى، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مستشاره داوود الصايغ، الرئيس حسين الحسيني، النواب: مروان حماده، جان طالوزيان، وجوزف اسحق، الوزراء السابقون: بهيج طباره، وليد الداعوق، ونايلة معوض، وعدد من السفراء ورؤساء السلطات القضائية ورؤساء النقابات والجمعيات المهنية وممثلي الجيش وقوى الأمن الداخلي، إضافة إلى رؤساء الجامعات.
سبيتاري
بعد القداس، ألقى السفير البابوي كلمة عبر فيها عن “سروره للمشاركة في عيد شفيع الجامعة اليسوعية للمرة الأولى بعد وصولي إلى لبنان”، وقال: “اهنئكم بهذا الالتزام الاكاديمي في خدمة تنشئة إنسانية حقيقية علمية”.
أضاف: “إن المهمة الأساسية للجامعة هي خلق فكر قادر على التمييز واتخاذ قرارات عادلة، العدالة في خدمة الخير العام، إذ لا عدالة من دون أخوة تعطي المعنى الحقيقي لقيم الحرية والمساواة. وهذه الاخوة تحملنا على معرفة الكرامة الإنسانية لكل إنسان من دون تمييز والمحافظة عليها”.
وهنأ “رئيس الجامعة اليسوعية، الذي اختار أن يشاركنا الأفكار عن الجامعة ومهماتها في أوقات الأزمة”، وقال: “هذه التأملات والأفكار مرتبطة بالواقع، لا سيما اننا اقتربنا من الذكرى المئوية للبنان الكبير”.
دكاش
بعد القداس، توجه الحضور إلى قاعة مسرح الأب جان دوكروييه اليسوعي، حيث ألقى رئيس الجامعة كلمة حملت هذه السنة عنوان “مع اقتراب إحياء الذكرى المئوية الأولى لإعلان ولادة دولة لبنان الكبير (1920-2020): الجامعة ووظائفها في زمن الأزمات”، تحدث فيها عن “رمزية العيد ورمزية شفاعة القديس يوسف ودور الآباء المؤسسين والآباء الذين أعادوا التأسيس”.
وتوقف عند “التهديدات الثلاثة التي تواجه لبنان عشية الاحتفال بمئوية ولادة لبنان الكبير، وهي: التهديد الأكاديمي بسبب انحدار نظامنا الجامعي إلى الهاوية، التهديد الثقافي بسبب الأزمة الأخلاقية والروحية التي يمكن تلخيصها بكلمة الفساد المعمم، تلك الآفة التي تصيب الجمهورية ومواطنيها، والتهديد الذي يطال الهوية اللبنانية بسبب فقدان معالمها. لذلك من الضروري أن تجدد الجامعة تفكيرها في مسألة العيش معا، وهو أساس نظامنا الاجتماعي السياسي وأساس هوية الصيغة اللبنانية”.
أضاف: “إذا كنا نتحدث عن أزمة نظام في الحالات الثلاث التي ذكرناها، فذلك لأن الأزمة تثير التوتر، وحالة من الخلل الخطير أو التفسخ المثير للقلق في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد أثارت هذه الأزمة وتثير تمزقا في المستويات التي تحدثنا عنها وتسببت باضطراب في العقول وفي مختلف أوساط المجتمع اللبناني”.
وقال: “وهكذا، دستورنا يجعل الفرد اللبناني مشروع مواطن وبالتالي كائنا تاريخيا؛ فأي سياسة يعهد بها إلى ممثل للشعب أو إلى حاكم، تعطيه المسؤولية المطلقة، الأخلاقية والعملية، لتحقيق هذه المهمة أي أن يدعم مشروع المواطنة على حساب الطائفية.
في مواجهة حدود هذا النقد الذي ينسب الفساد إلى الطائفية السياسية، وبالنظر إلى مواد الدستور اللبناني نفسه الذي لا يغرق الكل في الطائفية ولكنه ينظر إلى الفرد اللبناني كمواطن حر في خياراته، يجب علينا البحث في مكان آخر عن أسباب هذا المأزق وهذا الفساد المتفشي. سواء أكان ينظر إلى الطائفة على أنها ظاهرة اجتماعية دينية أم كجوهر أو كرابط سياسي، كما تقول بعض التحليلات اللبنانية الماركسية والتحليلات ذات النوايا الحسنة، فالنتيجة ستكون هي نفسها إن كان لم يتم التطرق بعمق إلى إصلاح مفهوم الشأن السياسي والسياسة في لبنان”.
وتابع: “فالفساد لا تأمر به الأناجيل ولا القرآن، لا بل على العكس الفساد مدان وممنوع منعا باتا. إن المحسوبية، إلى جانب الفساد، يجعلان من الإنسان مجرد موضوع تاريخي تابع للأقوى. أود أن أقول إن الطائفية إذا اختفت يوما ما من بلدنا، فلن يختفي الفساد والمحسوبية، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر، وإذا خسرت اليوم الدولة 4 مليارات هُدِرَت هنا وهناك، فسوف تخسر أكثر إذا لم يتغير سياسيونا ولم يصبحوا رجال ونساء دولة، سيكون الفساد والمحسوبية أشد خطورة لأنهما لن يكون هناك حاجز أخلاقي أو ديني يردعهما”.
واردف: “تكمن مشكلة لبنان:
1- في تصور خاطئ لكل ممارسة سياسية يقوم بها القادة والسياسيون.
2- وفي ممارسة السياسة كخدمة لمصالح الفرد الخاصة وليس للصالح العام. هذه الطريقة في التفكير في السياسة اللبنانية، بكل فروقها، تمت إدانتها من خلال نص ميشال شيحا في العام 1949 والذي لا يزال آنيا وذا أهمية كبرى حتى اليوم”.
ثم تحدث عن “وظائف الجامعة”، ملخصا إياها ب”نقد النظام الجامعي اللبناني الحالي، مسألة الفساد المعمم، والعيش معا على خطى سمير فرنجية وسليم عبو”.
وقال: “إن رئيسنا الراحل جان دوكروييه قال بصوت عال إن على الجامعة في كل الظروف أن تسير مع المدينة، لأنها جزء منها ويجب أن تتحمل بعض المسؤولية تجاه المجتمع وطلابها والمهن التي تعدهم لها. ونحن لا يسعنا إلا أن نسلك المسار الذي رسمه أسلافنا. صديق للأب دوكروييه، وهو أحد القضاة اللبنانيين البارزين، من قدامى كلية الحقوق، غادرنا منذ فترة قصيرة، وهو الوزير السابق الراحل سليم الجاهل. لقد كتب في الذكرى المئوية لكلية الحقوق اليسوعية: المساهمة الكبيرة والأساسية التي قدمتها جامعة القديس يوسف في بيروت هي أنها نجحت في نشر ثقافة دولة القانون في بلادنا”.
أضاف: “على مشارف الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لإنشاء لبنان الكبير، كم نحتاج، كجامعة القديس يوسف في بيروت، وأيضا كتعليم عال لبناني يدرك ويعي مهمته، إلى تحويل هذه الحقيقة التاريخية إلى مشروع مستمر في حياتنا اليومية ومستقبلنا. كم هو ضروري تأوين ثقافة دولة القانون هذه والعمل عليها في الأحرام الجامعية وفي كل الأماكن اللبنانية العامة التي أصبحت قليلة، بحيث يسود قانون الجمهورية اللبنانية على كل المحاولات لإقامة حقوق خاصة تسبب الصراعات والانقسامات”.
وختم: “بروح العيش المشترك في الاحترام المتبادل والمساواة ودولة القانون ندخل معا في السنة المئوية الكبرى لولادة لبنان الكبير من أجل أن نقول كلمتنا الصحيحة والحاسمة. دعونا جميعا نتمنى أن تتم الاحتفالات المختلفة في جامعة القديس يوسف وفي لبنان والتي ستقام خلال عام اليوبيل، بروحية الإيمان ببلدنا وقيمه، فتؤتي ثمارها الجيدة من تلك الشجرة الجميلة، تلك الأرزة التي تبلغ من العمر أكثر من قرن، لبنان الحريات والديموقراطية والعدالة والمساواة والعيش المشترك والحكمة الألفية، والمقاومة والمحبة”.
وطنية